لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير غزوة بني قريظة إنتصار عظيم آخر: كان في المدينة ثلاث طوائف معروفة من اليهود، وهم: بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو قينقاع، وكانت هذه الطوائف قد عاهدت النّبي (ص) على أن لا تعين عدوّاً له ولا يتجسّسوا لذلك العدوّ، وأن يعيشوا مع المسلمين بسلام، إلاّ أنّ "بني قينقاع" قد نقضوا عهدهم في السنة الثّانية للهجرة، و "بنو النضير" في السنة الرّابعة للهجرة بأعذار شتّى، وصمّموا على مواجهة النّبي (ص) وإنهارت مقاومتهم في النهاية، وطردوا إلى خارج المدينة، فذهب "بنو قينقاع" إلى أذرعات الشام، وذهب بعض "بني النضير" إلى خيبر، وبعضهم الآخر إلى الشام(1). بناءً على هذا فإنّ "بني قريظة" كانوا آخر من بقي في المدينة إلى السنة الخامسة للهجرة حيث وقعت غزوة الأحزاب، وكما قلنا في تفسير الآيات السبع عشرة المتعلّقة بمعركة الأحزاب، فإنّهم نقضوا عهدهم في هذه المعركة، واتّصلوا بمشركي العرب، وشهروا السيوف بوجه المسلمين. بعد إنتهاء غزوة الأحزاب والتراجع المشين والمخزي لقريش وغطفان وسائر قبائل العرب عن المدينة، فإنّ النّبي (ص) - طبقاً للرّوايات الإسلامية - عاد إلى منزله وخلع لامة الحرب وذهب يغتسل، فنزل عليه جبرئيل بأمر الله وقال: لماذا ألقيت سلاحك وهذه الملائكة قد إستعدّت للحرب؟ عليك أن تسير الآن نحو بني قريظة وتنهي أمرهم. لم تكن هناك فرصة لتصفية الحساب مع بني قريظة أفضل من هذه الفرصة، حيث كان المسلمون في حرارة الإنتصار، وبنو قريظة يعيشون لوعة الهزيمة المرّة، وقد سيطر عليهم الرعب الشديد، وكان حلفاؤهم من قبائل العرب متعبين منهكي القوى خائري العزائم، وهم في طريقهم إلى ديارهم يجرّون أذيال الخيبة، ولم يكن هناك من يحميهم ويدافع عنهم. هنا نادى مناد من قبل رسول الله (ص) بأن توجّهوا إلى بني قريظة قبل أن تصلّوا العصر، فاستعدّ المسلمون بسرعة وتهيّئوا للمسير إلى الحرب، وما كادت الشمس تغرب إلاّ وكانت حصون بني قريظة المحكمة محاصرة تماماً. لقد إستمرت هذه المحاصرة خمسة وعشرين يوماً، وأخير سلّموا جميعاً - كما سيأتي في البحوث - فقُتل بعضهم، واُضيف إلى سجل إنتصارات المسلمين إنتصار عظيم آخر، وتطهّرت أرض المدينة من دنس هؤلاء المنافقين والأعداء اللدودين إلى الأبد. وقد أشارت الآيات - مورد البحث - إشارة مختصرة ودقيقة إلى هذه الحادثة، وكما قلنا فإنّ هذه الآيات نزلت بعد الإنتصار، وأوضحت أنّ هذه الحادثة كانت نعمة وموهبة إلهيّة عظيمة، فتقول الآية أوّلا: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم). "الصياصي" جمع (صيصية)، أي: القلعة المحكمة، ثمّ اُطلقت على كلّ وسيلة دفاعية، كقرون البقر، ومخالب الديك. ويتّضح هنا أنّ اليهود كانوا قد بنوا قلاعهم وحصونهم إلى جانب المدينة في نقطة مرتفعة، والتعبير بـ (أنزل) يدلّ على هذا المعنى. ثمّ تضيف الآية: (وقذف في قلوبهم الرعب) وأخيراً بلغ أمرهم أنّكم (فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم). إنّ هذه الجمل تمثّل مختصراً وجانباً من نتائج غزوة بني قريظة، حيث قتل جمع من اُولئك الخائنين على يد المسلمين، واُسر آخرون، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من جملتها أراضيهم وديارهم وأموالهم. والتعبير عن هذه الغنائم بـ "الإرث" لأنّ المسلمين لم يبذلوا كثير جهد للحصول عليها، وسقطت في أيديهم بسهولة كلّ تلك الغنائم التي كانت حصيلة سنين طويلة من ظلم وجور اليهود وإستثماراتهم في المدينة. وتقول الآية في النهاية: (وأرضاً لم تطؤوها وكان الله على كلّ شيء قديراً). هناك إختلاف بين المفسّرين في المقصود من (أرضاً لم تطؤوها) وأيّ أرض هي؟ فاعتبرها البعض إشارة إلى أرض خيبر التي فتحت على أيدي المسلمين فيما بعد. وإعتبرها آخرون إشارة إلى أرض مكّة. وآخرون يعتقدون أنّها إشارة إلى أرض الروم وفارس. ويرى البعض أنّها إشارة إلى جميع الأراضي والبلدان التي وقعت في يد المسلمين من ذلك اليوم وما بعده إلى يوم القيامة. ﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ﴾ وعاونوا الأحزاب ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ قريظة ﴿مِن صَيَاصِيهِمْ﴾ حصونهم ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ الخوف ﴿ظَاهَرُوهُم فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ﴾ مزارعهم ﴿وَدِيَارَهُمْ﴾ قلاعهم ﴿وَأَمْوَالَهُمْ﴾ من صامت وناطق ﴿وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا﴾ خيبر أو فارس والروم ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ فيفعل ما شاء