التّفسير
هكذا يجب أن تكون نساء النّبي!
كان الكلام في الآيات السابقة عن موقع نساء النّبي ومسؤولياتهنّ الخطيرة، ويستمرّ هذا الحديث في هذه الآيات، وتأمر الآيات نساء النّبي (ص) بسبعة أوامر مهمّة.
فيقول سبحانه في مقدّمة قصيرة: (يانساء النّبي لستنّ كأحد من النساء إن اتقيتنّ) فإنّ إنتسابكنّ إلى النّبي من جانب، ووجودكنّ في منزل الوحي وسماع آيات القرآن وتعليمات الإسلام من جانب آخر، قد منحكن موقعاً خاصّاً بحيث تقدرن على أن تكن نموذجاً وقدوة لكلّ النساء، سواء كان ذلك في مسير التقوى أم مسير المعصية، وبناءً على هذا ينبغي أن تدركن موقعكنّ، ولا تنسين مسؤولياتكنّ الملقاة على عاتقكنّ، واعلمن أنّكنّ إن اتقيتنّ فلكنّ عند الله المقام المحمود.
وبعد هذه المقدّمة التي هيّأتهنّ لتقبّل المسؤوليات وتحمّلها، فإنّه تعالى أصدر أوّل أمر في مجال العفّة، ويؤكّد على مسألة دقيقة لتتّضح المسائل الاُخرى في هذا المجال تلقائياً، فيقول:
(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) بل تكلّمن عند تحدثكنّ بجدّ وباُسلوب عاديّ، لا كالنساء المتميّعات اللائي يسعين من خلال حديثهنّ المليء بالعبارات المحرّكة للشهوة، والتي قد تقترن بترخيم الصوت وأداء بعض الحركات المهيّجة، أن يدفعن ذوي الشهوات إلى الفساد وإرتكاب المعاصي.
إنّ التعبير بـ (الذي في قلبه مرض) تعبير بليغ جدّاً، ومؤدّ لحقيقة أنّ الغريزة الجنسية عندما تكون في حدود الإعتدال والمشروعية فهي عين السلامة، أمّا عندما تتعدّى هذا الحدّ فإنّها ستكون مرضاً قد يصل إلى حدّ الجنون، والذي يعبّرون عنه بالجنون الجنسي، وقد فصّل العلماء اليوم أنواعاً وأقساماً من هذا المرض النفسي الذي يتولّد من طغيان هذه الغريزة، والخضوع للمفاسد الجنسية والبيئات المنحطّة الملوّثة.
ويبيّن الأمر الثّاني في نهاية الآية فيقول عزّوجلّ: يجب عليكنّ التحدّث مع الآخرين بشكل لائق ومرضي لله ورسوله، ومقترناً مع الحقّ والعدل: (وقلن قولا معروفاً).
إنّ جملة (لا تخضعن بالقول) إشارة إلى طريقة التحدّث، وجملة: (وقلن قولا معروفاً) إشارة إلى محتوى الحديث.
"القول المعروف" له معنى واسع يتضمّن كلّ ما قيل، إضافةً إلى أنّه ينفي كلّ قول باطل لا فائدة فيه ولا هدف من ورائه، وكذلك ينفي المعصية وكلّ ما خالف الحقّ.
ثمّ إنّ الجملة الأخيرة قد تكون توضيحاً للجملة الاُولى لئلاّ يتصوّر أحد أنّ تعامل نساء النّبي مع الأجانب يجب أن يكون مؤذياً وبعيداً عن الأدب الإسلامي، بل يجب أن يتعاملن بأدب يليق بهنّ، وفي الوقت نفسه يكون خالياً من كلّ صفة مهيّجة.
﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء﴾ كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ معصية الله ورسوله ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ كالمربيات ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ ريبة ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ حسنا غير لين.