لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول أورد جمع من المفسّرين في سبب نزول هذه الآية انّه عندما رجعت "أسماء بنت عميس" زوجة "جعفر بن أبي طالب" من الحبشة مع زوجها، جاءت إلى زوجات النّبي، فسألتهن: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ فقلن: لا، فأتت رسول الله (ص) فقالت: "يارسول الله إنّ النساء لفي خيبة وخسار. فقال: وممّ ذلك؟ قالت: لأنّهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال. فأنزل الله تعالى هذه الآية (التي طمأنت النساء بأنّ لهنّ درجة عند الله مساوية للرجال، وأكّدت على أنّ المعيار هو العقيدة والعمل والأخلاق الإسلامية). التّفسير شخصية المرأة ومكانتها في الأسلام: بعد البحوث التي ذكرت في الآيات السابقة حول واجبات أزواج النّبي (ص)، فقد ورد في هذه الآية كلام جامع عميق المحتوى في شأن كلّ النساء والرجال وصفاتهم، وبعد أن ذكرت عشر صفات من صفاتهم العقائدية والأخلاقية والعملية، بيّنت الثواب العظيم المعدّ لهم في نهايتها. إنّ بعض هذه الصفات العشر تتحدّث عن مراحل الإيمان (الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب والجنان، والعمل بالأركان). والقسم الآخر يبحث في التحكّم باللسان والبطن والشهوة الجنسية، والتي تشكّل ثلاثة عوامل مصيرية في حياة البشر وأخلاقهم. وتحدّثت في جانب آخر عن مسألة الدفاع عن المحرومين، والإستقامة أمام الحوادث الصعبة، أي الصبر الذي هو أساس الإيمان. وأخيراً تتحدّث عن عامل إستمرار هذه الصفات، أي "ذكر الله تعالى". تقول الآية: (إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات). أي المطيعين لأوامر الله والمطيعات. وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين قد اعتبر الإسلام والإيمان في الآية بمعنى واحد، إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذا التكرار يوحي بأنّ المراد منهما شيئان مختلفان، وهو إشارة إلى المطلب الذي ورد في الآية ( رقم 14) من سورة الحجرات: (قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم)! وهو إشارة إلى أنّ "الإسلام" هو الإقرار باللسان الذي يجعل الإنسان في صفّ المسلمين، ويصبح مشمولا بأحكامهم، إلاّ أنّ "الإيمان" هو التصديق بالقلب والجنان. وقد أشارت الرّوايات الإسلامية إلى هذا التفاوت في المعنى، ففي رواية أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) سأله عن الإسلام والإيمان، وهل أنّهما مختلفان؟ فقال الإمام (ع): "إنّ الإيمان يشارك الإسلام، والإسلام لا يشارك الإيمان"، فاستوضح الرجل الإمام أكثر فقال (ع): "الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله (ص)، به حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس، والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب، وما ظهر من العمل به"(1). "قانت" من مادّة (القنوت)، وهي - كما قلنا سابقاً - الطاعة المقترنة بالخضوع، الطاعة التي تنبع من الإيمان والإعتقاد، وهذه إشارة إلى الجوانب العملية للإيمان وآثاره. ثمّ تطرقت إلى أحد أهمّ صفات المؤمنين الحقيقيين، أي حفظ اللسان، فتقول: (والصادقين والصادقات). ويستفاد من الرّوايات أنّ إستقامة إيمان الإنسان وصدقه بإستقامة لسانه وصدقه: "لا يستقيم إيمان امرىء حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه"(2). ولمّا كان الصبر والتحمّل والصلابة أمام المشاكل والعقبات هو أساس الإيمان، ودوره ومنزلته في معنويات الإنسان بمنزلة الرأس من الجسد، فقد وصفتهم الآية بصفتهم الخامسة، فقالت: (والصابرين والصابرات). ونعلم أنّ أحد أسوأ الآفات الأخلاقية هو الكبر والغرور وحبّ الجاه، والنقطة التي تقع في مقابله هي "الخشوع"، لذلك كانت الصفة السادسة: (والخاشعين والخاشعات). وإذا تجاوزنا حبّ الجاه، فإنّ حبّ المال أيضاً آفةً كبرى، وعبادته والتعلّق به ذلّة خطيرة مرّة، ويقابله الإنفاق ومساعدة المحتاجين، لذلك كانت صفتهم السابعة: (والمتصدّقين والمتصدّقات). قلنا: إنّ ثلاثة أشياء إذا تخلّص الإنسان من شرّها، فإنّه سيبقى في مأمن من كثير من الآفات والشرور الأخلاقية، وهي: اللسان والبطن والشهوة الجنسية، وقد اُشير إلى الأوّل في الصفة الرّابعة، أمّا الشيء الثّاني والثالث فقد أشارت إليهما الآية في الصفتين الثامنة والتاسعة، فقالت: (والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات). وأخيراً تطرّقت الآية إلى الصفة العاشرة التي يرتبط بها الإستمرار في كلّ الصفات السابقة والمحافظة عليها، فقالت: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات). أجل... إنّ هؤلاء يجب أن يكونوا مع الله ويذكروه في كلّ حال، وفي كلّ الظروف، وأن يزيحوا عن قلوبهم حجب الغفلة والجهل، ويبعدون عن أنفسهم همزات الشياطين ووساوسهم، وإذا ما بدرت منهم عثرة فإنّهم يهبون لجبرانها في الحال لئلاّ يحيدوا عن الصراط المستقيم. وقد ذكرت تفاسير مختلفة لـ "الذكر الكثير" في الرّوايات وكلمات المفسّرين، وكلّها من قبيل ذكر المصداق ظاهراً، ويشملها جميعاً معنى الكلمة الواسع. ومن جملتها ما نقرؤه في حديث عن النّبي الأكرم (ص): "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فتوضّئا وصلّيا كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات"(3). وفي حديث عن الإمام الصادق (ع): "من بات على تسبيح فاطمة (عليها السلام) كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات"(4). وقال بعض المفسّرين: إنّ "الذكر الكثير" هو الذكر حال القيام والقعود، وذكر الله عندما يأوي المرء إلى فراشه. وعلى أي تقدير، فإنّ الذكر علامة الفكر، والفكر مقدّمة للعمل، فليس الهدف هو الذكر الخالي من الفكر والعمل مطلقاً. ثمّ تبيّن الآية في النهاية الأجر الجزيل لهذه الفئة من الرجال والنساء الذين يتمتّعون بهذه الخصائص العشرة بأنّهم قد (أعدّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً) فإنّه تعالى قد غسل ذنوبهم التي كانت سبباً في تلوّث أرواحهم، بماء المغفرة، ثمّ كتب لهم الثواب العظيم الذي لا يعرف مقداره إلاّ هو. والواقع إنّ أحد هذين الأمرين يطرد كلّ المنغّصات، والآخر يجلب كلّ الخيرات. إنّ التعبير بـ "أجراً" دليل بنفسه على عظمته، ووصفه بـ "العظيم" تأكيد على هذه العظمة، وكون هذه العظمة مطلقة دليل آخر على سعة أطرافها وتراميها، ومن البديهي، أنّ الشيء الذي يعده الله عظيماً يكون خارقاً في عظمته. وثمّة مسألة تستحقّ الإنتباه، وهي أنّ جملة (أعدّ) قد وردت بصيغة الماضي، وهو بيان لحتمية هذا الأجر والجزاء وعدم إمكان خلفه وعدم الوفاء به، أو أنّه إشارة إلى أنّ الجنّة ونعمها معدّة منذ الآن للمؤمنين. بحث مساواة الرجل والمرأة عند الله: يتصوّر البعض أحياناً أنّ الإسلام قد رجّح كفّة شخصية الرجال، ولا مكانة مهمّة للنساء في برامج الإسلام، وربّما كان منشأ هذا الإشتباه هو بعض الإختلافات الحقوقية، والتي لكلّ منها فلسفة خاصّة. ومع غضّ النظر عن مثل هذه الإختلافات التي لها علاقة بالمكانات والمراكز الإجتماعية وظروفها الطبيعية - فلا شكّ في عدم وجود أي فرق بين الرجل والمرأة في تعليمات الإسلام من الناحية الإنسانية والمقامات المعنوية، والآية المذكورة دليل واضح على هذه الحقيقة، لأنّها وضعت المرأة والرجل في مرتبة واحدة ككفّتي ميزان لدى تبيانها خصائص المؤمنين، وأهمّ المسائل العقائدية والأخلاقية والعملية، ووعدت الإثنين بمكافآت متكافئة وثواب متساو بدون أي تفاوت وإختلاف. وبتعبير آخر: لا يمكن إنكار التفاوت الجسمي بين الرجل والمرأة، كما لا يمكن إنكار التفاوت النفسي بينهما أيضاً، ومن البديهي أنّ هذا التفاوت ضروري لإدامة نظام المجتمع الإنساني، كما أنّه يفرز آثاراً ونتائج في بعض القوانين الحقوقية للمرأة والرجل، إلاّ أنّ الإسلام لم يطرح شخصية المرأة الإنسانية للمناقشة - كما فعل ذلك بعض القساوسة المسيحيين في القرون الماضية - بأنّ المرأة هل هي إنسان في الواقع؟ وهل لها روح إنسانية أم لا؟! ولم يكتف بذلك فحسب، بل أكّد على عدم الفرق بين الجنسين من ناحية الروح الإنسانية، ولذلك نقرأ في الآية ( رقم 97) من سورة النحل (من عمل صالحاً من ذكر أو اُنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياةً طيّبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). لقد أقرّ الإسلام للمرأة نفس الإستقلال الإقتصادي الذي أقرّه للرجل، على عكس كثير من قوانين العالم السابقة، بل وحتّى قوانين عالم اليوم التي لم تبح للمرأة الإستقلال الإقتصادي مطلقاً. من هنا، فإنّنا نلاحظ في علم الرجال الإسلامي جانباً خاصّاً يتعلّق بالنساء العالمات اللواتي كنّ في مصافّ الرواة والفقهاء، وقد ذكرن كشخصيات مؤثّرة وفاعلة في التاريخ الإسلامي. وإذا رجعنا إلى تاريخ العرب قبل الإسلام، وحقّقنا في وضع النساء في ذلك المجتمع، ورأينا كيف أنهنّ كنّ محرومات من أبسط حقوق الإنسان، بل لم يكن المشركون يعتقدون بأنّ لهنّ حقّ الحياة أحياناً، ولذلك كانوا يئدونهنّ وهنّ أحياء بعد ولادتهنّ!! وكذلك إذا نظرنا إلى وضع المرأة في عالمنا المعاصر حيث أصبحت اُلعوبة لا إختيار لها ولا إرادة في أيدي مجموعة من المتلبّسين بلباس الإنسانية ويدعون التمدّن، فسوف ندرك جيداً بأنّ الإسلام قد خدم المرأة أيّما خدمة، وله حقّ عظيم عليهنّ(5)؟! ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ﴾ الدائمين على الطاعة ﴿وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ في قولهم وفعلهم ﴿وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ﴾ على البلاء والطاعات ﴿وَالْخَاشِعِينَ﴾ المتواضعين ﴿وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ﴾ بما فرض عليهم أو الأعم ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ﴾ المفروض أو الأعم ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾ عن الحرام ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ بقلوبهم وألسنتهم ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً﴾ لذنوبهم ﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ على طاعتهم