التّفسير
"الحدود" جمع حدّ، ويعني في أصل اللّغة لمنع، ثمّ اُطلق على كلّ حائل وحاجز بين شيئين يفصل بينهما ويميز، فحدّ البيت والبستان والدّولة يراد منه الموضع الذي يفصل هذه النقطة عن غيرها من النقاط الاُخرى.
هذا ولقد بدأت الآية الأُولى من هاتين الآيتين بالإِشارة إِلى قوانين الإِرث التي مرّت في الآيات السابقة بلفظة "تلك" إِذ قال سبحانه: (تلك حدود الله) أي تلك حدود الله التي لا يجوز تجاوزها وتجاهلها لأحد، فإِن من تعدى هذه الحدود كان عاصياً مذنباً.
وقد وردت هذه العبارة (تلك حدود الله) في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وقد جاءت دائماً بعد ذكر سلسلة من الأحكام والقوانين والمقررات يالإِجتماعية، ففي الآية 187 من سورة البقرة مث تأتي هذه العبارة بعد الإِعلان عن حرمة اللقاء الجنسي بين الزوجين حال الإِعتكاف، وبعد ذكر سلسلة من الأحكام المتعلقة بالصوم، كما جاءت في الآيات (229 و 230) من سورة البقرة، والآية (10) من سورة الطلاق بعد بيان قسم من أحكام الطلاق، وفي الآية (رقم 4) من سورة المجادلة بعد بيان كفارة "الظهار".
وفي جميع هذه الموارد أحكام وقوانين مُنع من تجاوزها، ولهذا وصفت بكونها "حدود الله"(1).
ثمّ بعد الإِشارة إِلى هذا القسم من حدود الله يقول سبحانه: (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها)، وهو بذلك يشير إِلى النّتيجة الأُخروية للإِلتزام بحدود الله واحترامها، ثمّ يصف هذه النتيجة الأُخروية بقوله: (وذلك هو الفوز العظيم).
﴿حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ حال مقدرة لا صفة جنات وإلا لأبرز الضمير لجريانها على غير من هي له وجمع للمعنى ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.