التّفسير
السّراج المنير!
الخطاب في هذه الآيات موجّه إلى النّبي (ص)، إلاّ أنّ نتيجته لكلّ المؤمنين، وبذلك فإنّها تكمل الآيات السابقة التي كانت تبحث في بعض وظائف المؤمنين وواجباتهم.
لقد جاءت في الآيتين الأوليين من هذه الآيات الأربع "خمس صفات" للنبي(ص) وجاء في الآيتين الاُخريين بيان خمس واجبات يرتبط بعضها ببعض، وتكمل إحداها الاُخرى.
تقول الآية أوّلا: (إنّا أرسلناك شاهداً) فهو من جانب شاهد على أعمال اُمّته، لأنّه يرى أعمالهم كما نقرأ ذلك في موضع آخر: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).(1)
وهذا العلم يمكن تحقّقه عن طريق عرض أعمال الاُمّة على النّبي (ص) والأئمّة (ع)، وقد مرّ تفصيل ذلك في ذيل الآية المذكورة (105 من سورة التوبة).
وهو من جانب آخر شاهد على الأنبياء الماضين الذين كانوا شهوداً على اُممهم: (فكيف إذا جئنا من كلّ اُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).(2)
ومن جهة ثالثة فإنّ وجودك بما لك من الصفات والأخلاق والبرامج والتعليمات البنّاءة، إضافةً إلى تاريخك المشرق وأعمالك المشرفة، شاهد على أحقّية دينك، وشاهد على عظمة الله وقدرته.
ثمّ تطرّقت الآية إلى الصفتين الثّانية والثالثة فقالت: (ومبشّراً ونذيراً) فهو مبشّر للمحسنين بثواب الله اللامتناهي... بالسلامة والسعادة الخالدة... بالظفر والتوفيق المليء بالفخر والإعتزاز... ونذير للكافرين والمنافقين من عذاب الله الأليم... من خسران كلّ رأسمال الوجود، ومن السقوط في شراك التعاسة في الدنيا والآخرة.
وكما قلنا سابقاً، فإنّ البشارة والإنذار يجب أن يقترنا في كلّ مكان، وأن يكون أحدهما معادل للآخر، لأنّ نصف وجود الإنسان عبارة عن حبّه لجلب المنفعة، ونصفه الآخر سعيه لدفع المضرّة عنه، فالبشارة تشكّل الدافع على القسم الأوّل، والإنذار على النصف الثاني، فالمناهج التي تعتمد على جانب واحد لم تدرك حقيقة الإنسان، ولم تدرك دوافعه وميوله(3).
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾ على أمتك بطاعتهم ومعصيتهم ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ للمطيع بالجنة ﴿وَنَذِيرًا﴾ للعاصي بالنار.