لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وأشارت الآية التالية إلى الصفة الرّابعة والخامسة، فقالت: (وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً). ملاحظات وهنا ينبغي الإنتباه إلى عدّة ملاحظات: 1- لقد ذكر مقام "الشهادة"، وكون النّبي (ص) شاهداً قبل جميع صفاته الاُخرى، وذلك لأنّ هذا المقام لا يحتاج إلى مقدّمة سوى وجود النّبي ورسالته، فعندما يتمّ نصبه في هذا المقام يكون شاهداً من جميع الجهات التي ذكرناها سابقاً، غير أنّ مقام "البشارة" و "الإنذار" أمر يتحقّق بعد ذلك. 2- إنّ الدعوة إلى الله سبحانه مرحلة تأتي بعد البشارة والإنذار، لأنّ البشارة والإنذار وسيلة لتهيئة الأفراد لقبول الحقّ، فعندما تتهيّأ هذه الأرضية عن طريق الترغيب والترهيب، تبدأ مرحلة الدعوة إلى الله سبحانه، وستكون مؤثّرة في هذه الحالة فقط. 3- مع أنّ كلّ أعمال النّبي (ص) بإذن الله وأمره، إلاّ أنّ الدعوة هي الوحيدة التي قيّدت بإذن الله هنا، وذلك لأنّ أشقّ أعمال الأنبياء وأهمّها هي الدعوة إلى الله سبحانه، حيث يجب عليهم أن يسوقوا الناس في طريق يخالف ميولهم وشهواتهم، فيجب أن تستبطن إذن الله وأمره ونصرته في هذه المرحلة ليتمّ تنفيذها، ومن هنا يتّضح أنّ النّبي (ص) لا يملك شيئاً من عند نفسه، بل كلّ ما يقوله بإذن الله(4). 4- إنّ كون النّبي (ص) (سراجاً منيراً) إشارة إلى المعجزات وأدلّة أحقّية دعوة الرّسول، وعلامة صدقها، فهو سراج منير شاهد بنفسه على نفسه، يزيح الظلمات ويلفت الأنظار ويجذب القلوب إليه، فكما أنّ بزوغ الشمس دليل على وجود الشمس، فكذلك وجوده (ص) دليل على كونه حقّاً، ودليل على أحقّيته. وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ لفظة "السراج" قد وردت في القرآن المجيد أربع مرّات، ثلاث منها في شأن الشمس، ومن جملتها ما ورد في الآية ( رقم 16) من سورة نوح حيث تقول: (وجعل القمر فيهنّ نوراً وجعل الشمس سراجاً). "السراج" في الأصل يعني المصباح الذي يضاء سابقاً بواسطة الفتيلة والزيت، وبواسطة الطاقة الكهربائية وأمثالها في العصر الحاضر، فينبعث ضياؤه ونوره، إلاّ أنّه اُطلق - على قول الراغب في مفرداته - على كلّ مصدر للنور فيما بعد، وإطلاقه على الشمس من أجل أنّ نورها ينبع من داخلها، ولا تكتسب نورها من مصدر آخر كالقمر. إنّ وجود النّبي (ص) كالشمس المنيرة التي تزيح ظلمات الجهل والشرك والكفر عن سماء روح البشر، لكن كما لا ينتفع العمي بنور الشمس، وكما تخفي الخفافيش أنفسها عنه حيث لا طاقة لعيونها برؤية هذا النور، فإنّ عمي القلوب العنودين المتعصّبين لم يستفيدوا ولن يستفيدوا من هذا النور مطلقاً، وكان أبو جهل وأمثاله يضعون أصابعهم في آذانهم حتّى لا يسمعوا صوت قرأنه ونغمته. إنّ الظلام يبعث على الخوف والوحشة دائماً، والنور يبعث الإطمئنان والراحة، فالسرّاق واللصوص يستغلّون ظلام الليل للسطو على الدور ونهب ما يقدرون عليه، والحيوانات المفترسة تخرج من حجورها في ظلمة الليل غالباً. الظلام يسبّب الفرقة، والنور يسبّب الإجتماع، ولذلك فإنّنا إذا أسرجنا سراجاً في ليلة مظلمة فستجتمع حوله أنواع الحشرات في فترة قصيرة. إنّ النور والضياء أساس نمو الأشجار، ونضج الفواكه والأثمار، والخلاصة: كلّ نشاطات الحياة، وتشبيه وجود النّبي (ص) بمصدر للنور يبعث على تداعي كلّ هذه المفاهيم في الذهن. إنّ وجود النّبي (ص) أساس الهدوء والإطمئنان، وفرار لصوص الدين والإيمان، وهرب الذئاب الضارية الظالمة لمجتمعاتها، ويوجب هدوء الخاطر، ونمو روح الإيمان والأخلاق، والخلاصة: أساس الحياة والحركة، وتأريخ حياته شاهد حي على هذا الموضوع. وفي الآيتين الاُخريين من الآيات مورد البحث بياناً لخمسة واجبات من واجبات النّبي الأكرم (ص) المهمّة بعد بيان صفاته الخمس، فتقول أوّلا: (وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلا كبيراً) وهي إشارة إلى أنّ مسألة تبشير النّبي (ص) لا يحدّ بالثواب الإلهي بمقدار أعمال المؤمنين الصالحة، بل إنّ الله سبحانه يفيض عليهم من فضله بحيث تضطرب المعادلة بين العمل والجزاء تماماً كما تشهد بذلك الآيات القرآنية. فتقول في موضع: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).(5) وتقول في موضع آخر: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة والله يضاعف لمن يشاء).(6) وقد تذهب أبعد من ذلك فتقول: (فلا تعلم نفس ما اُخفي لهم من قرّة أعين).(7) وبهذا فإنّ أبعاد الفضل الإلهي الكبير أوسع وأسمى ممّا يخطر في التصوّر والأوهام. ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ إلى توحيده وطاعته ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأمره أو بتيسيره ﴿وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ تتجلى به ظلمات الضلال.