لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير جانب من أحكام الطلاق: إنّ آيات هذه السورة - الأحزاب - جاءت على شكل مجموعات مختلفة، والخطاب في بعضها موجّه إلى النّبي (ص)، وفي بعضها الآخر إلى كلّ المؤمنين، ولذلك تقول أحياناً: (ياأيّها النّبي)، وأحياناً اُخرى: (ياأيّها الذين آمنوا) قد وردت فيها الأوامر اللازمة يوازي بعضها بعضاً، وهذا يعني أنّ النّبي (ص) كان مراداً بهذه التعليمات، كما أنّ عموم المؤمنين يرادون بها أيضاً. والآية التي نبحثها من الآيات التي توجّه خطابها إلى كلّ المؤمنين، في حين أنّ الآيات السابقة خاطبت شخص النّبي (ص) ظاهراً، ويتوجّه الخطاب إلى النّبي (ص)في الآيات القادمة مرّة اُخرى، وبهذا فإنّ قسماً من هذه السورة يتّبع اُسلوب "اللفّ والنشر المرتّب". تقول الآية: (ياأيّها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها). لقد بيّن الله سبحانه هنا حكماً إستثنائياً من حكم عدّة النساء المطلّقات، وهو أنّ الطلاق، إن وقع قبل الدخول فلا تلزم العدّة، ومن هذا التعبير يفهم أنّ حكم العدّة كان قد بُيّن قبل هذه الآية. إنّ التعبير بـ "المؤمنات" لا يدلّ على أنّ الزواج من غير المسلمات ممنوع تماماً، بل من الممكن أن يكون إشارة إلى أولوية المؤمنات، وبناءً على هذا فإنّه لا ينافي الروايات ومشهور فتاوى الفقهاء بجواز الزواج المؤقّت من الكتابيات. ثمّ إنّه يستفاد من تعبير (لكم) وكذلك جملة (تعتدونها) أنّ إنتظار عدّة المرأة يعتبر حقّاً للرجل، ويجب أن يكون هكذا، لأنّ من الممكن أن تكون المرأة حاملا في الواقع، وتركها العدّة وزواجها برجل آخر يجعل حال الولد غير معلوم، ويؤدّي إلى ضياع حقّ الرجل إضافةً إلى أنّ إنتظار العدّة يمنح الرجل والمرأة فرصة لتجديد النظر والرجوع إلى بعضهما، فقد يقع الطلاق نتيجة إنفعالات شديدة، ومثل هذه الفرصة والتفكير حقّ للرجل والمرأة معاً. وأمّا ما أورده البعض على هذا الحكم، بأنّ العدّة إن كانت حقّاً للرجل، فبإمكانه أن يسقط حقّه، فلا يصحّ، لأنّ في الفقه حقوقاً كثيرة لا يمكن إسقاطها، كالحقّ الذي لورثة الميّت في أمواله، أو الحقّ الذي للفقراء في الزكاة، إذ لا يقدر أي أحد على إسقاط هذا الحقّ الشرعي. ثمّ تتطرّق الآية إلى حكم آخر من أحكام النساء اللاتي يطلقن قبل المباشرة الجنسية - والذي سبقت الإشارة إليه في سورة البقرة أيضاً - فتقول: (فمتّعوهنّ)أي اعطوهنّ هدية مناسبة. ولا شكّ أنّ تقديم هديّة مناسبة إلى المرأة يكون واجباً في حالة عدم تعيين المهر من قبل، كما جاء في الآية (236) من سورة البقرة (لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتّعوهنّ). بناءً على هذا، فإنّ الآية مورد البحث وإن كانت مطلّقة، وتشمل الموارد التي عين فيها المهر، والتي لم يعيّن فيها، إلاّ أنّنا نحدّدها بالمورد الذي لم يعيّن فيه المهر بقرينة آية سورة البقرة، لأنّه في حالة تعيين المهر وعدم الدخول يجب دفع نصف المهر، كما جاء ذلك في الآية (237) من سورة البقرة. واحتمل بعض المفسّرين والفقهاء أنّ حكم تقديم هديّة مناسبة عام في الآية مورد البحث، ويشمل حتّى الموارد التي عيّن فيها المهر، غاية ما هناك أنّ له صفة الإستحباب في هذه الموارد، وله صفة الوجوب في الموارد التي لم يعيّن فيها المهر. وتلاحظ في بعض الآيات والروايات إشارة إلى هذا المعنى أيضاً(1). أمّا كم هو مقدار هذه الهدية؟ فقد بيّنه القرآن المجيد في سورة البقرة إجمالا بقوله: (متاعاً بالمعروف).(2) وكذلك قال في نفس تلك الآية: (على الموسّع قدره وعلى المقتر قدره). بناءً على هذا، فإن ذكرت في الروايات الإسلامية موارد من قبيل البيت والخادم واللباس وأمثال ذلك، فإنّها من قبيل المصاديق لهذا الكلّي وهي تتفاوت بحسب إمكانيات الزوج وشؤون المرأة. وآخر حكم في الآية مورد البحث هو: (وسرحوهنّ سراحاً جميلا). "السراح الجميل" هو الطلاق المقترن بالمحبّة والإحترام، وترك كلّ خشونة وظلم وجور وإحتقار، والخلاصة هو ما ورد في الآية ( رقم 29) من سورة البقرة: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فإنّ الإستمرار في الحياة الزوجية يجب أن يكون قائماً على أساس المعايير الإنسانية، والطلاق كذلك، فلا يجوز للرجل - إذا صمّم على طلاق زوجته - هضم حقّ الزوجة ومهرها، وبذاءة الكلام والخشونة معها، فإنّ هذا السلوك غير إسلامي قطعاً، ولا يمتّ إلى الإسلام بصلة. واعتبر بعض المفسّرين "السراح الجميل" بمعنى إجراء الطلاق طبقاً للسنّة الإسلامية، وجاء هذا المعنى في الرّواية الواردة في تفسير علي بن إبراهيم وعيون الأخبار. إلاّ أنّ من المسلّم أنّ "السراح الجميل" لا يتحدّد بهذا المعنى، بالرغم من أنّه أحد مصاديقه. واعتقد بعض آخر من المفسّرين أنّ السراح الجميل هنا يعني إذن الخروج من المنزل، لأنّ المرأة ليست مكلّفة هنا بالعدّة، وبناءً على هذا فيجب إطلاق سراحها لتذهب حيث شاءت. إلاّ أنّ هذا المعنى يبدو بعيداً بملاحظة أنّ تعبير السراح الجميل، أو أمثاله في الآيات القرآنية الاُخرى قد ورد حتّى في شأن النساء اللاتي يجب أن يعتددن. وقد كان لنا بحث مفصّل حول المعنى الأصلي للسراح، وأصله اللغوي، ولماذا يستعمل في الإطلاقات المتعارفة بمعنى الطلاق والإطلاق في ذيل الآية ( رقم 28) من سورة الأحزاب هذه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ تجامعوهن ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ تستوفون عددها ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أي إذا لم تفرضوا لهن مهرا إذ مع فرضه لا يجب لها المتعة كما مر في البقرة ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ﴾ خلوا سبيلهن إذ لا عدة لكم عليهن ﴿سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ من غير إضرار.