لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير يمكنك الزواج من هذه النّسوة: قلنا: إنّ بعض مقاطع هذه السورة تبحث واجبات النّبي (ص) والمؤمنين على طريقة اللفّ والنشر المرتّب، ولذلك فبعد ذكر جانب من الأحكام المتعلّقة بطلاق النساء، وجّهت الخطاب هنا إلى النّبي (ص)، وفصّلت الموارد السبعة التي يجوز للنبي الزواج فيها من تلك النسوة: 1- فقالت أوّلا: (ياأيّها النّبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي آتيت اُجورهنّ). والمراد من هؤلاء النساء - بقرينة الجمل التالية - النساء اللاتي لم يكنّ يرتبطن بالنّبي (ص) برابطة قرابة وقد تزوّجنه، وربّما كانت مسألة دفع المهر لهذا السبب، لأنّ العرف المتّبع آنذاك هو أنّهم كانوا يدفعون المهر نقداً عند زواجهم من الأجنبيات، إضافةً إلى أفضلية التعجيل في هذا الدفع، وخاصّة إذا كانت الزوجة بحاجة إليه. إلاّ أنّ هذا الأمر ليس من الواجبات على أي حال، إذ يمكن أن يبقى المهر ديناً في ذمّة الزوج إذا ما اتّفق الطرفان على ذلك. 2- (وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك). (أفاء الله) من مادّة (الفيء)، وتقال للأموال التي يحصل عليها الإنسان بدون جهد ومشقّة، ولذلك يطلق (الفيء) على الغنائم الحربية، وكذلك الأنفال، وهي الثروات الطبيعية التي تعود إلى الحكومة الإسلامية ولا يملكها مالك بالخصوص. يقول الراغب في مفرداته: الفيء بمعنى الرجوع إلى حالة محمودة، ومنه فاء الظلّ. (لحالة رجوع الظلّ) ثمّ قال: وقيل للغنيمة من دون مشقّة فيء. قال بعضهم: سمّي ذلك بالفيء تنبيهاً على أنّ أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظلّ زائل. صحيح أنّ الغنائم الحربية لا تنال في بعض الأحيان إلاّ بشقّ الأنفس وبذل الجهد المضني، إلاّ أنّ مشقّتها أقلّ من مشقّة تحصيل الأموال الاُخرى. وقد يطلق "الفيء" أحياناً على الأموال الطائلة التي يُحصل عليها من خلال هجوم واحد. لكن مَن مِن نساء النّبي يصدق عليها هذا الحكم؟ قال بعض المفسّرين: إنّ إحدى نساء النّبي وهي "مارية القبطية" - كانت من الغنائم، وكانت زوجتان اُخريان - وهما "صفيّة" و "جويرية" - من الأنفال أعتقهما النّبي (ص) ثمّ تزوّجهما، وكان هذا الفعل بنفسه جزءاً من خطّة الإسلام العامّة في تحرير العبيد التدريجي، وإرجاع الشخصية الإنسانية لهم. 3- (وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاّتي هاجرن معك) وبهذا فإنّ اللاّتي يحلّ للنّبي الزواج منهنّ من بين جميع الأقارب: بنات العمّ والعمّة، وبنات الخال والخالة، وبشرط أن يكنّ قد هاجرن مع النّبي (ص). إنّ التحديد بهذه الفئات الأربع واضح، إلاّ أنّ شرط الهجرة من أجل أنّها كانت دليلا على الإيمان في ذلك اليوم، وعدم الهجرة دليل على الكفر، أو لأنّ الهجرة تمنحهنّ إمتيازاً أكبر وفخراً أعظيم، والهدف من الآية هو بيان النساء الفاضلات المؤهّلات لأن يصبحن زوجات للنّبي (ص). وهل لهذه الفئات الأربع التي ذكرت كحكم كلّي في الآية، مصداق خارجي من بين نساء النّبي أم لا؟ إنّ المورد الوحيد الذي يمكن ذكره كمصداق هو زواجه (ص)بزينب بنت جحش، الذي مرّت قصّته المثيرة في طيّات هذه السورة، لأنّ زينب كانت بنت عمّة النّبي وكان "جحش" زوج عمّته(1). 4- (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي (من دون مهر) إن أراد النّبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين) أي أنّ هذا الحكم خاص للنبي (ص) ولا يشمل سائر المؤمنين (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم)وبناءً على هذا فإذا كنّا قد حدّدنا بعض المسائل فيما يتعلّق بالزواج من هؤلاء النسوة، فقد كان ذلك إستناداً إلى مصلحة حاكمة في حياتك وحياتهن، ولم يكن أيٍّ من هذه الأحكام والمقرّرات إعتباطياً وبدون حساب. ثمّ تضيف الآية (لئلاّ يكون عليك حرج) وبالتالي ستكون قادراً على أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقك في القيام بهذا الواجب (وكان الله غفوراً رحيم). وفي مورد القسم الأخير - أي النساء اللاّتي لا مهر لهنّ - ينبغي الإلتفات إلى النقاط أدناه: 1- لا شكّ أنّ جواز إتّخاذ زوجة من دون مهر كان من مختّصات النّبي (ص)والآية صريحة في هذه المسألة، ولذلك فهي من مسلّمات الفقه الإسلامي، وبناءً على هذا فلا يحقّ لأيّ امرىء أن يتزوّج امرأة بدون مهر، قلّ أم كثر، وحتّى إذا لم يرد ذكر المهر أثناء إجراء صيغة العقد، ولم تكن هناك قرينة تعيّنه، فيجب أن يدفع مهر المثل، والمراد من مهر المثل: المهر الذي تجعله النساء اللاتي تشابهها في الأوصاف والخصوصيات لأنفسهنّ عادةً. 2- هناك بحث بين المفسّرين في أنّه هل لهذا الحكم الكلّي مصداق في مورد زوجات النّبي (ص) أم لا؟ يعتقد البعض - كإبن عبّاس وبعض آخر من المفسّرين - أنّ النّبي (ص) لم يتزوّج بأيّة امرأة على هذه الحال، وبناءً على هذا فإنّ الحكم أعلاه كان إذناً عاماً للنّبي(ص) إلاّ أنّه لم يطبّق عملياً مطلقاً. في حين أنّ آخرين ذكروا أسماء ثلاث أو أربع نسوة من زوجات النّبي (ص)اللاّتي تزوجهنّ بدون مهر، وهنّ: "ميمونة" بنت الحارث، و "زينب" بنت خزيمة، وكانتا من الأنصار، وامرأة من بني أسد، واسمها "اُمّ شريك" بنت جابر، و "خولة" بنت حكيم. ومن جملة ما ورد في الروايات أنّ "خولة" عندما وهبت نفسها للنبي (ص)إعترضت عائشة، فقالت: ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟! فنزلت الآية أعلاه، غير أنّ عائشة إلتفتت إلى النّبي (ص) وقالت: أرى الله يسارع في هواك - وكان هذا نوع من التعريض بالنّبي (ص) - فقال لها النّبي (ص): "وإنّك إن أطعت الله سارع في هواك"(2). لا شكّ أنّ أمثال هؤلاء النسوة كنّ لا يطمعن إلاّ في الفخر المعنوي عن طريق الإقتران بالنّبي (ص)، ولذلك كنّ على إستعداد للزواج منه بدون أيّ مهر، إلاّ أنّ وجود مثل هذا المصداق للحكم أعلاه غير مسلّم من الناحية التأريخية كما قلنا، بل المسلّم أنّ الله سبحانه كان قد أذن لنبيّه بذلك للغاية التي سنشير إليها فيما بعد. 3- يستفاد من هذه الآية جيّداً أنّ إجراء صيغة عقد الزواج بلفظ "الهبة" كان مختّصاً بالنّبي (ص) فقط، ولا يستطيع أيّ فرد آخر أن يجري عقد الزواج بهذا اللفظ، ويجوز إجراء العقد بلفظ الزواج أو النكاح، حتّى وإن لم يجر للمهر ذكر فيه، حيث يجب دفع مهر المثل عند عدم ذكر المهر كما قلنا آنفاً، فكأنّه في الحقيقة قد صرّح بمهر المثل. بحث جانب من حكمة تعدّد زوجات النّبي: إنّ الجملة الأخيرة في الآية أعلاه إشارة في الواقع إلى فلسفة هذه الأحكام الخاصّة بنبيّنا الأكرم، حيث تقول: إنّ للنبي (ص) ظروفاً لا يعيشها الآخرون، وهذا التفاوت في الظروف أصبح سبباً للتفاوت في الأحكام. وبتعبير أوضح، إنّ الهدف من هذه الأحكام رفع بعض المشاكل والصعوبات من كاهل النّبي (ص). وهذا تعبير لطيف يبيّن أنّ زواج النّبي (ص) من عدّة نساء كان لحلّ سلسلة من المشاكل الإجتماعية والسياسية في حياته، لأنّا نعلم أنّ النّبي (ص)كان وحيداً حينما صدع بنداء الإسلام ورفع شعاره، ولم يؤمن به بعد مدّة طويلة سوى عدّة معدودة، فإنّه ثار ضدّ كلّ معتقدات عصره وبيئته الخرافية، وأعلن الحرب ضدّ الجميع، فمن البديهي أن تتّحد كلّ الأقوام والقبائل ضدّه. في هذا الوضع كان لابدّ من أن يستعين بكلّ الوسائل ويستغلّها لكسر إتّحاد الأعداء اللامشروع، وكانت إحدى هذه الوسائل هو الزواج من القبائل المختلفة لإيجاده علاقة قرابة ونسب، لأنّ رابطة القرابة كانت تعدّ أقوى الروابط بين عرب الجاهلية، وكانوا يعتبرون الصهر من نفس القبيلة، والدفاع عنه واجباً، وتركه وحيداً جريمة وذنباً. إنّ لدينا قرائن كثيرة تبيّن أنّ زواج النّبي (ص) المتعدّد كان له صبغة سياسيّة في كثير من الموارد على أقلّ تقدير. وأحدها - كزواجه بزينب - كان لكسر سنّة جاهلية، وقد بيّنا تفصيله في ذيل الآية ( رقم 37) من هذه السورة. وبعضه لتقليل العداوة، أو لجلب محبّة أشخاص أو أقوام متعصّبين عنودين. من الواضح أنّ شخصاً يتزوّج وهو في سنّ الخامسة والعشرين، حيث كان في عنفوان شبابه، بامرأة أيم لها أربعون سنة، ويكتفي بها حتّى الثالثة والخمسين من عمره، وبهذا يكون قد قضى مرحلة الشباب وبلغ سنّ الكهولة، ثمّ يقدم على الزواج المتعدّد، لابدّ أن يكون له سبب وفلسفة، ولا يمكن أن يفسّر بأيّ وجه من الوجوه بأسباب العلاقة والرغبة الجنسية، لأنّه لم يكن هناك مانع إجتماعي، أو ظروف مالية صعبة، أو أدنى نقص يمنع النّبي (ص) من الزواج المتعدّد في سنّي شبابه، خاصّة وأنّ تعدّد الزوجات كان أمراً طبيعياً بين العرب آنذاك، بل ربّما كانت الزوجة الاُولى تذهب لخطبة الزوجة الثّانية، ولم يكونوا يعترفون بأيّ حدّ في إتّخاذ الزوجات. والطريف أنّه قد ورد في التواريخ أنّ النّبي لم يتزوّج إلاّ بكراً واحدة، وهي عائشة، وباقي نسائه كنّ أيامى جميعاً ومن الطبيعي أن لا يتمتعنّ بإثارة جنسية ملحوظة(3). بل نقرأ في بعض التواريخ أنّ النّبي (ص) تزوّج بعدّة زوجات، ولم يجر إلاّ مراسم العقد، ولم يباشرهنّ أبداً، بل إنّه اكتفى في بعض الموارد بخطبة بعض نساء القبائل فقط(4). وقد كان هؤلاء يفرحون ويسرّون ويفتخرون بأنّ امرأةً من قبيلتهم قد سمّيت بزوجة النّبي (ص) فحصل لهم هذا الفخر، وبذلك فإنّ علاقتهم الإجتماعية بالنّبي كانت تشتدّ وتقوى، ويصبحون أكثر تصميماً على الدفاع عنه. ومن جانب آخر، فمع أنّ النّبي (ص) لم يكن رجلا عقيماً، إلاّ أنّه لم يكن له من الأولاد إلاّ القليل، في حين أنّ هذا الزواج المتعدّد لو كان بسبب جاذبية هذه النسوة، وإثارتهنّ الجنسية، فينبغي أن يكون له من الأولاد الكثير. وكذلك ينبغي الإلتفات إلى أنّ بعض هذه النساء - كعائشة - كانت صغيرة جدّاً عندما أصبحت زوجة للنبي (ص)، وقد مرّت سنين حتّى إستطاعت أن تكون زوجة حقيقية له، وهذا يوحي بأنّ الإقتران بمثل هذه البنت الصغيرة كانت له أهداف اُخرى، وكان الهدف الأصلي هو ما أشرنا إليه قبل قليل. وبالرغم من أنّ أعداء الإسلام أرادوا أن يتّخذوا من تعدّد زواج النّبي (ص)حربة لأشدّ هجماتهم المغرضة، ويحوكون منها أساطير أوهى من خيط العنكبوت للطعن في نبي الإسلام (ص) إلاّ أنّ سنّ النّبي المتقدّمة عند إقدامه على تكرار الزواج من جهة، والظروف الخاصّة المتعلّقة بالنساء من ناحية العمر والقبيلة من جانب آخر، والقرائن المختلفة التي أشرنا إلى قسم منها آنفاً من جهة ثالثة تجعل الحقيقة واضحة كالشمس، وتحبط مؤامرات المغرضين وتفضحها. ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ مهورهن ﴿وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ قيل كانت الهجرة شرطا في الحل ثم نسخ ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ أي وأحللنا لك امرأة مؤمنة تهب لك نفسها بلا مهر إن اتفق ذلك ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ يطلب نكاحها ﴿خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إيذان بأنه مما خص به لنبوته وباستحقاقه الكرامة لأجلها ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ من الأحكام في العقد الدائم والمنقطع ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ من الإماء بشراء وغيره أنه كيف ينبغي أن يفرض ﴿لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ ضيق في باب النكاح متصل بخالصة وبينهما اعتراض لبيان أن المصلحة اقتضت مخالفة حكمه لحكمهم في ذلك ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ لمن يشاء ﴿رَّحِيمًا﴾ بالتوسعة لعباده.