والطريف أنّ "الشافعي" قد نظّم فتواه هذه شعراً وذكرها بصراحة حيث يقول:
يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (9)
ثمّ تبيّن الآية التالية النقطة المقابلة للآية السابقة، فتقول: (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً) .
ماذا يراد من أذى الله سبحانه؟
قال البعض: إنّ المراد منه هو الكفر والإلحاد الذي يُغضِب الله عزّوجلّ، لأنّ "الأذى" لا يعني في شأن الله تعالى إلاّ إغضابه.
ويحتمل أيضاً أن يكون إيذاء النّبي (ص) والمؤمنين هو إيذاء الله تعالى، وذكر الله في الآية لأهمية المطلب وتأكيده.
وأمّا إيذاء نبي الإسلام (ص) فله معنى واسع، ويشمل كلّ عمل يؤذيه، سواء كان الكفر والإلحاد ومخالفة أوامر الله والإفتراءات والتّهم، أم الأذى الذي يراه حين يدعوهم إلى بيته، كما مرّ في الآية (53) من هذه السورة (إنّ ذلكم كان يؤذي النّبي) .
أو الموضوع الذي ورد في الآية (61) من سورة التوبة عندما اتّهموا النّبي (ص) بأنّه "اُذن" نتيجة إصغائه لكلام الناس ورعايته لأدب المحادثة (ومنهم الذين يؤذون النّبي ويقولون هو اُذن) وأمثال ذلك.
بل ويستفاد من الرواية الواردة في ذيل الآية أنّ إيذاء أهل بيت النّبي وخاصّة علي وفاطمة (ع) ، يدخل ضمن الآية، وقد جاء في المجلّد الخامس من صحيح البخاري، أنّ رسول الله (ص) قال: "فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني" (10).
وورد هذا الحديث في "صحيح مسلم" بهذه العبارة: "إنّ فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها" (11).
وروي هذا المعنى في حقّ علي (ع) عن النّبي الأكرم (ص) (12).
وأمّا "اللعن" الوارد في الآية أعلاه، فإنّه بمعنى الطرد عن رحمة الله، وهو في مقابل الرحمة والصلوات التي وردت في الآية السابقة تماماً.
إنّ اللعن والطرد عن رحمة الله سبحانه... تلك الرحمة الواسعة التي لا تعرف الحدود، يعدّ أسوأ أنواع العذاب، خاصّةً إذا كان هذا الطرد في الدنيا والآخرة كما هو في الآية مورد البحث، ولعلّ ذكر مسألة اللعن قبل العذاب المهين لهذا السبب.
والتعبير بـ (أعَدّ) دليل على تأكيد هذا العذاب وشدّته.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بارتكاب ما لا يرضيان به من كفر ومعصية ﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ أبعدهم عن رحمته ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ ذا إهانة وهو النار.