لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ تضيف الآية الأخيرة من هذه الآيات أنّ هذا الأمر ليس جديداً، بل (سنّة الله في الذين خلوا من قبل) فكلّما زادت صلافة المفسدين وتجاوزت مؤامراتهم الحدود، يصدر الأمر بالهجوم عليهم. ولمّا كان هذا الحكم سنّة إلهيّة، فإنّه سوف لا يتغيّر ولا يتبدّل أبداً، حيث أنّ سنّة الله ثابتة (ولن تجد لسنّة الله تبديلا). إنّ هذا التعبير يجسّد كون هذا التهديد حقيقياً وجدياً، ليعلموا أنّ هذا المطلب والمصير حتمي، وله جذوره ونظائره في التأريخ، ولا سبيل إلى تغييره وتبديله، فإمّا أن ينتهوا عن أعمالهم المخزية، أو أن ينتظروا هذا المصير المؤلم. تعليقات 1- إبدأ بنفسك! الأمر الذي ورد في الآيات مورد البحث حول وجوب رعاية الحجاب الإسلامي بدقّة، وأمر النّبي (ص) أن يبلغ هذا الأمر، أوّل ما بدأ بنساء النّبي، ثمّ بناته، ثمّ المؤمنات، وهو إشارة إلى أنّك يجب أن تبدأ بنفسك وأهل بيتك في أيّ برنامج إصلاحي، وهذا خطّ لكلّ مصلحي البشر. وبدأ بالزوجات عندما دار الأمر بين الزوجات والبنات، وذلك لأنّهنّ أقرب إلى الرجل، لأنّ البنات يتزوجنّ وينتقلن إلى بيوت الأزواج. 2- العلاج من طريقين: لمّا كانت المفاسد الإجتماعية لا تنبعث من علّة واحدة غالباً، فلذلك يجب أن تبدأ مكافحتها من جميع الجوانب. والطريف في الأمر أنّ الآيات المذكورة، ومن أجل الوقوف أمام مضايقات الطائشين قد أمرت المؤمنات أوّلا أن لا يتركن ذريعة بيد الطائشين، ثمّ أوقفتهم عند حدّهم بتهديدهم أشدّ تهديد. وهذا أيضاً برنامج دائمي للجميع، بأنّ الصديق لابدّ من إصلاحه، ويوقف العدوّ عند حدّه بالقوّة. 3- موقع المسلمين القوي: يستفاد جيّداً من تهديدات الآيات القويّة والشديدة أنّه بعد إنتهاء حادثة "بني قريظة"، وإجتثاث جذور هذه الفئة من الأعداء الداخليين الخطرين، فإنّ موقع المسلمين قد قوي في المدينة تماماً، ولم تكن المخالفات تأتي إلاّ من جانب المنافقين المندّسين بين صفوف المسلمين، أو من جانب جماعة من الأوباش والمتهوّرين ومطلقي الإشاعات، فتعامل النّبي (ص) معهم من موقع القوّة، وحذّرهم بشدّة بأنّهم إن لم يكفوا عن مؤامراتهم ونفثهم للسموم، فإنّه سيقوم بتصفية الحساب معهم بهجوم واحد ويقضي عليهم! وقد أثّر هذا التعامل الحازم والدقيق أثره بوضوح تامّ. 4- إجتثاث جذور الفساد: هل أنّ ما ورد في الآيات أعلاه عن إقتلاع جذور المفاسد كمؤامرات المنافقين، وملاحقة أعراض المسلمين وأذاهم، وإطلاق الإشاعات يصلح علاجاً في سائر الأعصار والقرون، ولكلّ الحكومات الإسلامية؟ قليل من المفسّرين من بحث ذلك، إلاّ أنّه يبدو أنّ هذا الحكم كسائر الأحكام الإسلامية لا يختّص بزمان أو مكان أو أشخاص. إذا كان نفث السموم والتآمر قد تجاوز الحدّ على أرض الواقع، وأصبح كتيار جارف يهدّد المجتمع الإسلامي بأخطار حقيقية، فما المانع من أن تنفذ الحكومة الإسلامية أوامر الآيات أعلاه، والتي اُنزلت على النّبي (ص) ومنحته هذه الصلاحية، وتعبىء الناس للقضاء على جذور الفساد؟ إلاّ أنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الأعمال وأمثالها، خاصّة وأنّها مطروحة كسنّة لا تقبل التغيير، لا يسمح بها كتصرّف شخصي، وتمسّك برأي خاصّ، بل تجوز فقط بعد إذن ولي أمر المسلمين وحكّام الشرع بها. 5- سنن الله الثابتة: قرأنا في الآيات السابقة أنّ القرآن ذكر أنّ إحدى سنن الله التي لا تقبل التغيير هي إقتلاع جذور التآمر بهجوم عامّ، وقد كانت هذه السنّة جارية في الاُمم السابقة. وقد ورد نظير هذا التعبير في مواضع اُخرى من القرآن، ومن جملتها ما ورد في الآية ( رقم 38) من سورة الأحزاب هذه، فبعد أن أجاز سبحانه مخالفة سنّة جاهلية خاطئة وإلغاءها في مسألة مطلقة الابن بالادّعاة، يقول: ليس للنبي أيّ ذنب إذا ما نفّذ أوامر الله مهما كانت. ثمّ يضيف تعالى: (سنّة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً). وفي الآية ( رقم 43) من سورة فاطر، وبعد أن هدّد الكافرين والمجرمين بالفناء والهلاك، يقول سبحانه: (فهل ينظرون إلاّ سنّة الأوّلين فلن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا). وفي الآية ( رقم 85) من سورة غافر، وبعد أن صرّح بأنّ إيمان الكفّار العنودين من الأقوام الماضين عند مشاهدتهم عذاب الإستئصال لم ينفعهم شيئاً، يضيف: (سنّة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون). وفي الآية ( رقم 23) من سورة الفتح، وبعد أن ذكر إنتصار المؤمنين وهزيمة الكفّار في الحروب، وأن ليس لهم ولي ولا نصير، يضيف: (سنّة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلا). وكذلك في الآية ( رقم 77) من سورة الإسراء عندما يبيّن مؤامرة إبعاد النّبي أو قتله، يضيف: (وإذاً لا يلبثون خلافك إلاّ قليلا سنّة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنّتنا تحويلا). يستفاد من مجموع هذه الآيات جيّداً أنّ المراد من السنّة في مثل هذه الموارد: القوانين الإلهيّة الثابتة والأساسية، سواء التكوينية منها أم التشريعية، التي لا تتغيّر مطلقاً. وبتعبير آخر: فإنّ لله سبحانه في عالم التكوين والتشريع قوانين واُصولا ثابتة، كالقوانين الأساسية والدساتير المسنونة بين شعوب العالم والتي لا تتبدّل، ولا تكون عرضةً للتغيير، وهذه القوانين الإلهية كانت حاكمة على الأقوام الماضين، وتحكّمنا اليوم، وستكون حاكمة في المستقبل على الأجيال الآتية. إنّ نصرة النّبي، وهزيمة الكفّار، ووجوب تنفيذ أوامر الله والعمل بموجبها، حتّى وإن أدّت إلى إثارة سخط الناس وعدم رضاهم، عدم جدوى التوبة حين نزول العذاب الإلهي، وأمثال ذلك هي جزء من هذه السنن الخالدة. إنّ هذه التعبيرات تسلّي خواطر كلّ السائرين في طريق الحقّ، وتمنحهم الهدوء والطمأنينة من جهة، وتوضّح من جهة اُخرى وحدة دعوة الأنبياء وإنسجامها، وتناسق القوانين الحاكمة على نظام الخلقة ونظام الحياة الإنسانية وإتّحادها، وهي في الحقيقة فرع من فروع التوحيد. ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ أي سن الله ذلك سنة ﴿فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ﴾ من الأمم الماضية في منافقيهم المرجفين للمؤمنين ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ عما جرت عليه.