يقول تعالى: (أن اعمل سابغات وقدّر في السرد).
"سابغات": جمع (سابغ) وهو الدرع التامّ الواسع، و"إسباغ النعمة" أيضاً بمعنى توسيعها.
"سرد": في الأصل بمعنى حياكة ما يخشن ويغلظ كنسج الدرع وخرز الجلد، واستعير لنظم الحديد.
وجملة (وقدّر في السرد) معناها مراعاة المقاييس المتناسبة في حلقات الدرع وطريقة نسجها.
وفي الواقع فإنّ الله تعالى قد أمر داود بأن يكون مثالا يحتذى لكل الحرفيين والعمّال المؤمنين في العالم، بمراعاته للإتقان والدقّة في العمل من حيث الكمّ والكيف في المصنوعات، ليستطيع بالتالي مستهلكوها إستعمالها براحة وبشكل جيّد، والإفادة من متانتها.
يقول تعالى لداود: أن اصنع الدروع واسعة ومريحة، حتّى لا تكون سجناً للمقاتل وقت إرتدائها... لا تجعل حلقاتها صغيرة وضيّقة أكثر من اللازم فتفقد بذلك خاصيّة الإنثناء والتطوّي، ولا كبيرة إلى درجة يمرّ منها حدّ السيف والخنجر والسنان، فكلّ شيء يجب أن يكون ضمن مقياس معيّن وتناسب محدّد.
الخلاصة: هي أنّ الله تعالى قد قيّض لداود "المادّة" بمقتضى (وألنّا له الحديد).
وكذلك علّمه بطريقة تحويلها وصناعتها، حتّى يكون الناتج كاملا بإجتماع "المادّة" و "الصورة".
ثمّ تُختم الآية بخطاب لداود وأهل بيته (واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون بصير).
ويلاحظ أنّ المخاطب كان في صدر الآية داود وحده، بيننما تحوّل الخطاب في آخر الآية ليشمل داود وأهل بيته أو داود وقومه، ذلك لأنّ هذه الاُمور مقدّمة للعمل الصالح، فالهدف ليس صناعة الدروع وتحقيق الربح، بل إنّ ذلك كلّه وسيلة في المسير باتّجاه العمل الصالح.
وليستفيد أيضاً داود وأهل بيته.
وإحدى خصائص العمل الصالح هي مراعاة الدقّة الكافية في الصناعات من كلّ الجوانب وتقديم نتاج كامل ومفيد خال من أي عيب أو تقصير.
ومن المحتمل أيضاً أن يكون الخطاب لداود وكلّ من تحقّقت له الإستفادة من جهده ونسيجه، إشارة إلى أنّ هذه الوسيلة الدفاعية ينبغي أن تستخدم في طريق العمل الصالح، وليس في طريق المعاصي والجور والظلم.
﴿أَنِ﴾ أمرناه بأن أو أي ﴿اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ دروعا تامات وهو أول من عملها ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ في نسجها بحيث تتناسب حلقها ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ أي أنت وأهلك ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فأجازيكم به.