لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
يقول تعالى: (فلمّا قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلاّ دابة الأرض تأكل منسأته)(5). يستفاد من تعبير الآية ومن الروايات المتعدّدة الواردة في تفسيرها، أنّ سليمان كان واقفاً متّكئاً على عصاه حين فاجأه الموت واستلّ روحه من بدنه، وبقي جثمان سليمان مدّة على حالته، حتّى أكلت الأُرضةُ - التي عبّر عنها القرآن بـ "دابّة الأرض" - عصاه، فاختلّ توازنه وهوى على الأرض، وبذا عُلم بموته. لذا تضيف الآية بعد ذلك (فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). جملة "تبيّنت" من مادّة "بيّن" عادةً بمعنى (اتّضح) (وهو فعل لازم). وأحياناً يأتي أيضاً بمعنى "العلم والإطلاع" (فعل متعد). وهنا يتناسب الحال مع المعنى الثاني. بمعنى أنّ الجنّ لم يعلموا بموت سليمان إلى ذلك الوقت، ثمّ علموا وفهموا أنّهم لو كانوا يعلمون الغيب لما بقوا حتّى ذلك الحين في تعب وآلام الأعمال الشاقّة التي كلّفوا بها. جمع من المفسّرين أخذ المعنى بالحالة الاُولى، وقال: إنّ مقصود الآية هو أنّه بعد أن هوى جثمان سليمان (ع) إلى الأرض اتّضحت حقيقة الجنّ للناس، وأنّهم لا يعلمون شيئاً من الغيب، وعبثاً كان إعتقاد البعض بإطّلاع الجنّ على الغيب(6). (العذاب المهين) هذا التعبير قد يكون إشارة إلى الأعمال الشاقّة التي كان سليمان (ع) يعهد بها إلى مجموعة من الجنّ كنوع من العقاب، وإلاّ فإنّ نبيّ الله لا يمكن أن يضع أحداً في العذاب عبثاً، وهو على ما يبدو عذاب مذلّ. بحوث 1- صور من حياة سليمان (ع): على عكس "التوراة" الموجود اليوم والتي صوّرت "سليمان" أحد السلاطين الجبابرة وباني معابد الأوثان الضخمة ومستهتر النساء - يعدّ القرآن الكريم "سليمان" من أنبياء الله العظام ونموذج للحكومة والقدرة المنقطعة النظير، وقد أعطى القرآن الكريم بعرضه البحوث المختلفة المتعلّقة بسليمان دروساً للبشر هي الأساس من ذكر قصّته. قرأنا في هذه الآيات الكريمة، أنّ الله تعالى أعطى لهذا الرّسول العظيم مواهب عظيمة، فمن وسيلة النقل السريعة جدّاً والتي إستطاع بواسطتها التنقّل في مملكته الواسعة في مدّة قصيرة، إلى المواد المعدنية المختلفة الكثيرة، إلى القوى العاملة الفعّالة الكافية لتصنيع تلك المعادن. وقد قام سليمان (ع) بالإستفادة من المواهب المذكورة، ببناء المعابد الضخمة، وترغيب الناس بالعبادة، وكذلك فقد نظّم برامج واسعة لإستضافة أفراد جيشه وعمّاله وسائر الناس في مملكته. ومن الأواني التي مرّ ذكرها يمكننا تخيّل أكثر من ذلك. وفي قبال ذلك طالبه الله تعالى بأداء الشكر على هذه النعم، مع تأكيده سبحانه على أنّ أداء شكر النعم يتحقّق من فئة قليلة نادرة. ثمّ اتّضح كيف أنّ رجلا بكلّ هذه القدرة والعظمة كان أمام الموت ضعيفاً لا حول له ولا قوّة، بحيث فارق الدنيا فجأةً وفي لحظة واحدة. نعم... كيف أنّ الأجل لم يعطه حتّى فرصة الجلوس أو الإستلقاء على سريره. ذلك حتّى لا يتّوهم المغرورون العاصون حينما يبلغون مقاماً أو منصباً أن قد أصبحوا مقتدرين حقيقة، فإنّ المقتدر الحقيقي الذي كان الجنّ والإنس والشياطين خدماً بين يديه، والذي كان يجول في الأرض والسماء وقد بلغ قمّة الهيبة والحشمة... ثمّ في لحظة قصيرة فارق الدنيا. وإتّضح كذلك كيف أنّ عصاً تافهةً، أقامت جثمانه مدّة، وجعلت الجنّ يعملون بجد وإجتهاد وهم يلحظون جثمانه الواقف أو الجالس. ثمّ كيف أسقطته الأرضة على الأرض، وكيف إضطربت بسقوطه الدولة بكلّ مسؤوليها. نعم، عصاً تافهة أقامت دولةً عظيمة، ثمّ حشرة صغيرة أوقفت تلك الدولة!! الجميل هو ما ورد في الرواية عن الإمام الباقر (ع) إذ قال: "أمر سليمان بن داود الجنّ فصنعوا له قبّة من قوارير فبينا هو متكيء على عصاه في القبّة ينظر إلى الجنّ كيف ينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا رجل معه في القبّة قال له: من أنت، قال: أنا الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت. فقبضه وهو قائم متكيء على عصاه في القبّة والجنّ ينظرون إليه. قال: فمكثوا سنة يدأبون له حتّى بعث الله عزّوجلّ الأرضة فأكلت منسأته - وهي العصا - فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين" الحديث(7). ويجب أن نذكّر هنا أيضاً، بأنّ قصّة النّبي سليمان (ع) ككثير من قصص الأنبياء، إختلطت مع الأسف بروايات كثيرة موضوعة وخرافات شوّهت صورة هذا النّبي العظيم، وأكثر هذه الخرافات أخذت من التوراة الرائجة اليوم، ولو إقتنعنا بما ورد في القرآن الكريم حول هذا النّبي لما واجهتنا أيّة مشكلة. 2- لماذا خفي موت سليمان مدّة من الزمن؟ كم هي المدّة التي ظلّ فيها موت سليمان مخفياً عن حكومته، هل كانت سنة، أم شهراً، أم عدّة أيّام؟ إختلف المفسّرون حول هذا الموضوع. هل أنّ الكتمان كان من قبل مقربيه الذين قصدوا من وراء ذلك تمشية اُمور الدولة، أم أنّهم هم الآخرون قد خفي عليهم ذلك؟ يبدو من المستبعد تماماً أن يخفى أمر وفاته عن حاشيته لمدّة طويلة، لا بل حتّى لأكثر من يوم واحد، لأنّ من المسلّم أنّ هناك أفراداً كانوا مكلّفين بإيصال إحتياجاته وغذائه إليه، وهؤلاء سيعلمون بموته حتماً، وعليه فلا يستبعد - كما قال بعض المفسّرين - أنّهم علموا بأمر موته، لكنّهم أخفوا ذلك الأمر لغايات معيّنة، لذا فقد ورد في بعض الروايات بأنّ "آصف بن برخيا" وزير سليمان الخاص، هو الذي كان يدير اُمور الدولة. ألم تشكّل مسألة عدم تناول الطعام والماء لمدّة طويلة تساؤلا لدى ناظريه؟ مع اليقين بأنّ كلّ أعمال سليمان (ع) كانت عجيبة، فيمكن إعتبار هذه المسألة من عجائبه أيضاً، وحتّى أنّه ورد في بعض الروايات أنّه بعد مدّة من بقاء سليمان(ع) على حاله كثر الهمس بين البعض في وجوب عيادة سليمان، لأنّه على حاله منذ مدّة لم يتحرّك ولم يأكل ولم يشرب ولم ينم(8). ولكن حينما تحطّمت العصا، وسقط الجثمان على الأرض تبدّدت كلّ هذه الأفكار والأوهام. على كلّ حال، فإنّ تأخير إعلان موت سليمان (ع) كشف كثيراً من الاُمور: 1- اتّضح للجميع أنّ الإنسان حتّى إذا بلغ أوج القدرة والقوّة، فلا يزال هو الموجود الضعيف قبال الحوادث، كالقشّة في خضمّ الطوفان يتقاذفها في كلّ جانب. يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) في إحدى خطبه "فلو أنّ أحداً يجد إلى البقاء سلماً أو لدفع الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود (ع) الذي سخّر له ملك الجنّ والإنس مع النبوّة وعظيم الزلفة"(9). 2- اتّضح للجميع أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب، والمغفّلين من البشر الذين كانوا يعبدونهم كانوا على خطأ فادح. 3- اتّضحت لجميع الناس أيضاً حقيقة إمكان أن يرتبط نظام دولة بموضوع صغير، بوجوده يمكن أن يقوم هذا النظام، وبإنهياره ينهار هذا النظام، ومن وراء ذلك تجلّت القدرة اللا متناهية للباري عزّوجلّ. 3- سليمان في القرآن والتوراة الحالية يصوّر القرآن سليمان بصورة نبي عظيم، ذي علم وافر، وتقوى عالية، لم يأسره المقام والمال أبداً، مع كلّ ما كان له من سلطة في حكومة عظيمة، وقال حينما أرسلت ملكة سبأ - لخداعه - هدايا نفيسة وثمينة (أتمدونن بمال فما آتاني الله خير ممّا آتاكم)(10) لم يكن لهم من هم سوى أداء الشكر لله على نعمه (وقال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي...)(11). قائد لم يسمح بظلم نملة حينما قالت وهم في وادي النمل: (ياأيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)(12). كان "عابداً" إذا غفل عن ذكر ربّه أو شغل بالدنيا عاد منيباً وهو يقول: (إنّي أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي...)(13). كان "حكيماً" لم يجانب المنطق في قول، حتّى في حديثه مع الهدهد، لم يتخلّ عن الحقّ والعدالة. كان "حاكماً" له من المعاونين من له من علم الكتاب ما استطاع به إحضار عرش بلقيس في أقلّ من طرفة عين. وقد وصفه القرآن الكريم بـ "الأوّاب" و "نعم العبد". شخص أعطاه الله "الحكم" و "العلم" وشمله بهدايته، ولم يشرك بالله طرفة عين أبداً. لكنّنا نجد أنّ التوراة الحالية المحرّفة، قد لوّثت صفحة هذا النّبي العظيم بالشرك وغيره، فقد نسبت إليه أسوأ الأوصاف فيما يخصّ بناء المعابد الوثنية، والترويج لعبادة الأوثان، والولع المفرط بالنساء، وتعبيرات قبيحة جدّاً من أوصاف العشّاق المبتذلين، التي نخجل عن ذكرها. ونكتفي بذكر بعض ما ورد في التوراة من الأساطير الأهون قبحاً، ففي الكتاب الأوّل للملوك من التوراة نقرأ ما يلي: "وأولع سليمان بنساء غريبات كثيرات فضلا عن إبنة فرعون، فتزوّج نساء موآبيات وعمّونيّات وأدوميات وصيدونيات وحثيات، وكلّهنّ من بنات الاُمم التي نهى الربّ بني إسرائيل عن الزواج منهنّ قائلا لهم: "لا تتزوّجوا منهم ولا هم منكم لأنّهم يغوون قلوبكم وراء آلهتهم" ولكن سليمان التصق بهنّ لفرط محبّته لهنّ، فكانت له سبع مائة زوجة، وثلاث مئة محضية، فانحرفن بقلبه عن الربّ فاستطعن في زمن شيخوخته أن يغوين قلبه وراء آلهة اُخرى، فلم يكن قلبه مستقيماً مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه، وما لبث أن عبد عشتاروت آلهة الصيدونيين وملكوم إله العمونيين البغيض، وإرتكب الشرّ في عيني الربّ، ولم يتّبع سبيل الربّ بكمال كما فعل أبوه داود، وأقام على تلّ شرقي اورشليم مرتفعاً تكموش إله الموآبيين الفاسق. ولمولك إله بني عمون البغيض، وشيّد مرتفعات لجميع نسائه الغربيات، اللواتي رحن يوقدن البخور عليها، ويقربن المحرّقات لآلهتهنّ فغضب الربّ على سليمان لأنّ قلبه ضلّ عنه مع أنّه تجلّى له مرّتين ونهاه عن الغواية وراء آلهة اُخرى، فلم يطع وصيّته، لهذا قال الله لسليمان! لأنّك إنحرفت عنّي ونكثت عهدي، ولم تطع فرائضي التي أوصيتك بها، فانّي حتماً اُمزّق أوصال مملكتك واُعطيها لأحد عبيدك، إلاّ أنّني لا أفعل ذلك في أيّامك، من أجل داود أبيك، بل من يد إبنك اُمزّقها، غير أنّي اُبقي له سبطاً واحداً يملك عليه إكراماً لداود عبدي..."(14). ومن مجموع هذه القصّة الخرافية للتوراة يتّضح ما يلي: 1- إنّ سليمان كان يحبّ كثيراً النساء الوثنيات، وتزوّج بكثير منهنّ على خلاف أوامر الله تعالى، وتدريجيّاً مال إلى دينهنّ، وبالرغم من كثرة نسائه (700 زوجة و300 محضية) فانّ حبّه لهنّ أدّى إلى إنحرافه عن طريق الحقّ (نعوذ بالله). 2- إنّ سليمان أمر بصراحة ببناء معابد للأوثان فوق الجبل المقابل لأورشليم المركز الديني المقدّس لبني إسرائيل، وأحد المعابد كان لصنم "كموش" الذي يعبده الموآبيون، والآخر لصنم "عشترون" الذي كان يعبده الصيداويون. وكلّ ذلك حدث في أيّام شيخوخته. 3- إنّ الله تعالى قرّر عقوبة سليمان بسبب إنحرافه وذنوبه الكبيرة بأن يفقد مملكته، ولكن لا من يده، بل من يد إبنه "رحبعام" ويتركه إلى آخر عمره يلعب ويعبث كيفما شاء من أجل أبيه داود العبد المخلص، أي ذلك العبد الذي تقول التوراة عنه انّه إرتكب قتل النفس وزنا المحصنة والإستيلاء على زوجة قائد جيشه المتفاني!! فهل يمكن تصديق مثل هذه التّهم ضدّ رجل مقدّس مثل سليمان؟! ولو فرضنا أنّ سليمان لم يكن نبيّاً - كما يصرّح القرآن بذلك - وقلنا بأنّه من ملوك بني إسرائيل، فمع ذلك لا يمكن تصديق مثل هذه التّهم في حقّه، لأنّه لو لم يكن نبيّاً فلا أقل من أنّ مرتبته كانت تالية لمرتبة النّبي، لأنّ له كتابين من كتب العهد القديم أحدها يدعى: "مواعظ سليمان" والآخر "أشعار سليمان". وأساساً كيف يجيب اليهود والنصارى الذين يعتقدون بهذه التوراة الحالية على هذه الأسئلة والإشكالات؟ وكيف يتسنّى لهم قبول مثل هذه الفضائح؟! 4- وقليل من عبادي الشكور قبل كلّ شيء يلزم البحث في الأصل اللغوي لكلمة "شُكر". الراغب الأصفهاني يقول في مفرداته، الشكر: تصوّر النعمة وإظهارها، قيل وهو مقلوب عن "الكشر" أي الكشف، ويضادّه الكفر، وهو نسيان النعمة وسترها، "ودابة شكور" مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها. وقيل أصله عين شكرى، أي ممتلئة فالشكر على هذا هو الإمتلاء من ذكر المنعم عليه. والشكر ثلاثة أضرب: شكر القلب، وهو تصوّر النعمة. وشكر اللسان، وهو الثناء على المنعم، وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها. التعبير القرآني في الآية (اعملوا آل داود شكراً) يشير إلى أنّ الشكر أكثر من مقولة، إنّه "عمل"، ويجب أن يظهر من بين أعمال الإنسان، وعليه فقد يكون القرآن الكريم قد عدّ الشاكرين الحقيقيين قلّة لهذا السبب. وفضلا عمّا ورد في هذه الآيات فإنّ في الآية ( رقم 23) من سورة الملك، ذكر بعد تعداد بعض النعم الإلهية العظيمة، كخلق السمع والبصر والقلب، ذكر (قليلا ما تشكرون)، وكذا في الآية ( رقم 73) من سورة النمل ورد (ولكن أكثرهم لا يشكرون). هذا من جانب. ومن جانب آخر فمع الإلتفات إلى أنّ الإنسان غارق من رأسه حتّى أخمص قدميه بنعم الله التي لا تعدّ ولا تحصى، كما عبّر عن ذلك القرآن الكريم (وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها) يتّضح لماذا يمتنع الشكر كما ينبغي لله قبال جميع النعم التي أفاضها الباري جلّ وعلا. بتعبير آخر، وكما ورد على لسان بعض كبار المفسّرين، فإنّ "الشكر المطلق"، هو أن يكون الإنسان على ذكر دائم لله بلا أدنى نسيان، سائراً في طريقه تعالى بدون أيّة معصية، طائعاً لأوامره بلا أدنى لفّ أو دوران، ومسلّم بأنّ هذه الأوصاف لا تجتمع إلاّ في القلّة النادرة، ولا يصغى إلى قول من يقول: إنّه أمر بما لا يطاق، فإنّه ناشىء من قلّة التدبّر في هذه الحقائق والبعد من ساحة العبودية(15). قد يقال: إنّ أداء حقّ الشكر لله سبحانه وتعالى قضيّة معقّدة بلحاظ إنّه في الوقت الذي يقف فيه الإنسان في مقام الشكر ويوفّق لذلك، بأن تتوفّر لديه أسباب أداء الشكر، فإنّ ذلك بحدّ ذاته نعمة جديدة تحتاج إلى شكر آخر، وبذا يستمرّ هذا الموضوع بشكل متتابع، وكلّما بذل الإنسان جهداً أكثر في طريق الشكر سيكون مشمولا بنعمة متزايدة لا يمكنه معها أداء شكرها. لكن إذا إنتبهنا أنّ أحد طرق أداء الشكر لله هو بإظهار العجز عن أدائه كما بيّن القرآن الكريم يتّضح حقيقة قلّة الشاكرين وملاحظة الأحاديث التالية تساعد في توضيح هذا المطلب. فعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (ع): هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكراً؟ قال: "نعم" قلت: ما هو؟ قال: يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقّ أدّاه"(16). وعن أبي عبدالله (ع) قال: "شكر النعمة إجتناب المحارم"(17). وعن الإمام أبو عبدالله الصادق (ع) أيضاً قال: "فيما أوحى الله عزّوجلّ إلى موسى (ع): ياموسى أشكرني حقّ شكري، فقال: ياربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ؟ قال: ياموسى الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي"(18). نلفت النظر كذلك إلى أنّ شكر الإنسان الذي يكون وسيلة للنعمة لشخص آخر، هو شعبة من شكر الله، وكما ورد عن علي بن الحسين السجّاد (ع) قوله: إنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين ويحبّ كلّ عبد شكور، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك ياربّ، فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره، ثمّ قال: أشكركم لله أشكركم للناس"(19). وفيما يخصّ موضوع (حقيقة الشكر) وكيف يكون الشكر سبباً في زيادة النعمة، وكيف يكون الكفر سبباً في ذهابها وفنائها، هناك شرح مفصّل في تفسير الآية السابعة من سورة إبراهيم. ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ﴾ على سليمان ﴿الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ مصدر يقال أرضت الخشبة بالبناء للمفعول أرضا أي أكلتها الأرضة ﴿تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ﴾ عصاه ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ علمت ﴿أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ﴾ كما يزعمون لعلموا موته ولو علموه ﴿مَا لَبِثُوا﴾ بعده سنة ﴿فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ العمل الشاق.