التّفسير
نبئوني لماذا؟
قلنا في بداية السورة بأنّ هناك مجموعة من آياتها تتحدّث حول المبدأ والمعاد والإعتقادات الحقّة، ومن ربطها مع بعضها نحصل على حقائق جديدة.
في هذا المقطع من الآيات يجرّ القرآن المشركين في الواقع إلى المحاكمة، وبالضربات الماحقة للأسئلة المنطقية، يحشرهم في زاوية ضيّقة، ثمّ يبيّن تفسّخ منطقهم الواهي بخصوص شفاعة الأصنام.
في هذه المجموعة من الآيات، خوطب الرّسول الأكرم (ص) خمس مرّات، وقيل له: (قل) لهم... وفي كلّ مرّة تعرض الآيات مطلباً جديداً يتعلّق بمصير الأصنام وعبّادها، بشكل يُشعر معه بأن ليس هناك عقيدة أفرغ ولا أجوف من عبادة الأصنام، بل لا يمكن أساساً تسمية هذه العبادة (عقيدة) أو (مذهباً).
في الآية الاُولى يقول تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله)(1) ولكن اعلموا أنّ هذه الأصنام أو الشركاء لا يستجيبون لدعائكم أبداً، ولا يحلّون لكم مشكلة، ثمّ تنتقل الآية إلى عرض الدليل على هذا القول، فيقول تعالى: لأنّهم (لا يملكون مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير).
فلو كانوا يستطيعون شيئاً لكان لهم أحد هذه الأوصاف الثلاثة: إمّا مالكية مستقلّة لشيء في السماء أو الأرض، أو على الأقل مشاركة مع الله في أمر الخلق، أو معاونة الخالق في شيء من هذه الاُمور.
في حال أنّ الواضح هو أنّ "واجب الوجود" واحد لا غير، والباقون جميعهم "ممكن الوجود" مرتبطون به.
ولو قطع الله تعالى نظر لطفه عنهم لحظة لأحلّهم دار البوار والعدم.
واللطيف هو قوله تعالى: (مثقال ذرّة في السموات والأرض)، فموجودات لا تملك في هذه السماء اللامحدودة، وهذه الأرض المترامية الأطراف ما يعادل "مثقال ذرّة"، فأي مشكلة يمكنها حلّها لنفسها، ناهيك عن سواها!!
هنا يتبادر إلى الذهن فوراً السؤال التالي: إذا كانت الأمر كذلك، فماذا تكون قضيّة شفاعة الشفعاء؟
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم﴾ لكفار مكة ﴿ادعوا الذين زعمتم﴾ زعمتموهم آلهة ﴿مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ من خير وشر ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ ذكرا تعميما للنفي أو لأن آلهتهم منها سماوية كالملائكة والكواكب ومنها أرضية كالأصنام ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ﴾ شركة ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ معين على شيء.