بالإلتفات إلى ما قيل حول حقّانية دعوة الرّسول الأكرم (ص)، تضيف الآية التي بعدها قائلة أنّ القرآن واقع غير قابل للإنكار لأنّه ملقى من الله سبحانه وتعالى على قلب الرّسول (ص): (قل إنّ ربّي يقذف بالحقّ علاّم الغيوب).
كلمة "يقذف" من مادّة (قذف) وهو الرمي البعيد، وثمّة تفسيرات متعدّدة لهذه الآية، يمكن جمعها مع بعضها البعض.
أوّلا: المقصود بـ "يقذف بالحقّ" هو الكتب السماوية والوحي الإلهي على قلوب الأنبياء والمرسلين، ولأنّه سبحانه وتعالى هو علاّم الغيوب، فهو يعلم بالقلوب المهيّأة، فينتخبها ويقذف الوحي فيها حتّى ينفذ إلى أعماقها.
وعلى ذلك فالمعنى شبيه بما ورد في الحديث المعروف "العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء".
والتعبير بـ "علاّم الغيوب" يؤيّد هذا المعنى.
الآخر: إنّ المقصود من "قذف الحقّ على الباطل وزهوق الباطل"، يعني أنّ للحقّ قوّة تجعله قادراً على تجاوز أي عائق في طريقه، وليس لأحد طاقة على الوقوف بوجهه، وبهذا تكون الآية تهديداً للمخالفين لكي لا يقفوا بوجه القرآن، وأن يعلموا أنّ حقّانية القرآن ستسحقهم.
وبذا تكون الآية تعبيراً مشابهاً لما ورد في الآية ( رقم 18) من سورة الأنبياء (بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).
ويحتمل أن يكون المقصود بتعبير "القذف" هنا هو نفوذ حقّانية القرآن إلى نقاط العالم القريبة والبعيدة، وهي إشارة إلى أنّ هذا الوحي السماوي سيضيء جميع العالم بنوره في نهاية الأمر.
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ يلقيه إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾.