لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير وما يستوي البحران!! مع الإلتفات إلى ما كان من حديث في الآيات السابقة حول التوحيد والمعاد وصفات الله، تتعرّض هذه الآيات أيضاً إلى قسم آخر من آيات "الأنفس والآفاق" التي تدلّل على قدرة الله من جانب، وعلى علمه من جانب آخر، وقضيّة إمكانية المعاد من جانب ثالث. في البداية تشير إلى خلق الإنسان في مراحله المختلفة فتقول: (والله خلقكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ جعلكم أزواجاً). وهذه ثلاث مراحل من مراحل خلق الإنسان: الطين- والنطفة- ومرحلة الزوجية. بديهي أنّ الإنسان من التراب، إذ أنّ آدم (ع) خلق من تراب، كما أنّ جميع المواد سواء التي يتشكّل منها جسم الإنسان، أو التي يتغذّى عليها، أو التي تنعقد منها نطفته، جميعها تنتهي إلى مواد هي ذاتها التي يحتويها التراب. إحتمل البعض أنّ الخلق من التراب، إشارة إلى الخلق الأوّل فقط، أمّا الخلق من النطفة فهو إشارة إلى المراحل التالية التي أوّلها مرحلة الخلقة الإجمالية للبشر (بلحاظ أنّ وجود الجميع يتلخّص بوجود آدم (ع)) وثانيها المرحلة التفضيلية بإنفصال الإنسان من الآخر. وعلى كلّ حال فإنّ مرحلة "الزوجية" هي مرحلة إدامة نسل الإنسان وحفظ نوعه، وأمّا ما احتمله البعض من أنّ معنى "أزواجاً" هنا "الأصناف" أو "الروح والجسم" وأمثالها، فيبدو بعيداً. ثمّ ينتقل إلى المرحلة الرابعة والخامسة، "حمل النساء" و "الولادة" فيقول تعالى: (وما تحمل من اُنثى ولا تضع إلاّ بعلمه). نعم، الحمل والتحوّلات والتغيّرات المذهلة والمعقّدة في الجنين، ثمّ بلوغ مرحلة وضع الحمل والإضطرابات والتغيّرات المحيّرة للاُمّ من جهة، وللجنين من جهة ثانية، بشكل وبمقدار منظّم ودقيق لا يمكن تعقّله بدون إسناده إلى العلم الإلهي اللامتناهي، فلو اُصيب النظام الذي يحكم هذه العملية باختلال ولو بمقدار رأس الإبرة لأدّى إلى عسر أو إختلال الحمل أو عملية الولادة، ثمّ إلى ضياع الجنين وهلاكه. هذه المراحل الخمس من حياة الإنسان، إحداها أعجب من الاُخرى وأكثر إثارة للدهشة. فأين الثرى من الثريّا .. أين ذلك التراب الميّت الجامد من الإنسان الحي العاقل الفطن المبتكر؟! وأين تلك النطفة الحقيرة التي تتكوّن من بضع قطرات من الماء المتعفّن من ذلك الإنسان الراشد الجميل والمجهّز بالحواس والأجهزة العضوية المختلفة(1). بعد هذه المرحلة، تأتي مرحلة تقسيم النوع البشري إلى جنسين "المذكّر" و "المؤنّث" بالفروقات الكثيرة في الجسم والروح، والاُمور الفسلجية التي تبدأ بالتحدّد منذ اللحظات الاُولى لإنعقاد النطفة، وإتّخاذ مسيرها الخاص والتكامل في كلّ جنس باتّجاه الرسالة التي اُنيطت به. ثمّ تظهر مسألة رسالة الاُمّ في قبول وتحمّل ذلك الحمل وحفظه وتغذيته وتربيته والتي حيّرت العلماء لقرون طويلة، حتّى اعترفوا بأنّها من أعجب مسائل الوجود. وآخر مرحلة في هذا المسير هي مرحلة الولادة، وهي مرحلة تحوّل كامل تقترن بعجائب كثيرة. فما هي العوامل التي تدفع الجنين إلى الخروج من بطن اُمّه؟ كيف يتمّ التنسيق بين هذا الأمر وبين إعداد جسم الاُمّ لتحقّق ذلك الأمر؟ كيف يتمكّن الجنين بعد تعوّده على وضع ما لمدّة تسعة أشهر، أن يلبس وضعاً جديداً ويطبّق كلّ مفرداته الجديدة بلحظة واحدة، ففي لحظة واحدة يقطع صلته باُمّه، ويتنفّس الهواء الطلق! يتناول طعامه من فمه بدلا من الحبل السرّي! يخرج إلى محيط غارق في النور والإشراق بدلا من محيط بطن اُمّه المظلم؟! أليست هذه أعظم الدلائل على قدرة الله وعلمه اللا محدودين؟ وهل أنّ هذه المادّة الجامدة الميتة وهذه الطبيعة غير الهادفة يمكنها أن تنظّم حلقة واحدة صغيرة من آلاف الحلقات في سلسلة الخلق بالإستفادة من المصادفات العمياء؟ فيا للأسف كيف يتعقّل الإنسان مثل هذا الإحتمال الموهوم فيما يخصّ خلقته؟! ثمّ .. تشير الآية إلى المرحلتين السادسة والسابعة من هذا البرنامج المذهل بانتقالها إلى حلقة اُخرى، فتذكر مراحل العمر المختلفة والعوامل المؤثّرة في زيادته ونقصانه فتقول الآية الكريمة: (وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب)(2) ويخضع لقوانين ومناهج مدروسة يتحكّم فيها علم الله وقدرته المطلقة. فما هي العوامل المؤثّرة في إدامة حياة الإنسان؟ وما هي العوامل التي تهدّد إدامتها؟ وبإختصار ما هي العوامل التي يجب أن تتظافر مع بعضها حتّى يستطيع الإنسان أن يعمّر مائة سنة أو أكثر أو أقل؟ وأخيراً ما هي العوامل الموجبة لتفاوت أعمار الناس؟ كلّ ذلك له حسابات دقيقة ومعقّدة لا يعلمها إلاّ الله. وما نعلمه نحن اليوم حول هذه الموضوعات بالقياس إلى ما لا نعلمه يعتبر شيئاً تافهاً. "معمّر" من مادّة "عُمْر" في الأصل من "العمارة" نقيض الخراب، والعمر اسم لمدّة عمارة البدن بالحياة خلال مدّة معيّنة. "معمر" أي الشخص الطويل العمر. وأخيراً تختم الآية بهذه الجملة (إنّ ذلك على الله يسير). فخلق هذا الموجود العجيب من التراب، وبدء خلق إنسان كامل من "ماء النطفة" وكذلك المسائل المرتبطة بتحديد الجنس، ثمّ الزوجية، والحمل، والولادة، وزيادة أو نقص العمر سواء بلحاظ القدرة أو بلحاظ العلم والحسابات كلّها بالنسبة إليه تعالى سهلة وبسيطة. وذلك بمجموعه يمثّل جانباً من "آيات الأنفس" التي تربطنا ببداية عالم الوجود والتعرّف عليه من جهة، كما تعتبر أدلّة حيّة على مسألة إمكانية المعاد من جهة اُخرى. فهل أنّ القادر على الخلق الأوّل من التراب والنطفة غير قادر على إعادة الحياة للناس مرّة اُخرى!؟ وهل أنّ العالم بكلّ دقائق وتفاصيل الاُمور المرتبطة بتلك القوانين، يواجه مشكلة في حفظ أعمال العباد ليوم المعاد. ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ بخلق آدم منه ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ بخلق نسله منها ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ ذكورا وإناثا ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ﴾ ما يزاد في عمر من يطول عمره ﴿وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ اللوح أو علمه تعالى ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ هين