هنا يجيب (ولا تزر وازرة وزر اُخرى).
"وِزر" بمعنى الثقل، وقد اُخذ من "وَزر" (على زنة كرب) بمعنى الملجأ في الجبل، وأحياناً يأتي بمعنى المسؤولية ويعبّر بذلك عن الإثم كما يعبّر عنه بالثقل، والوزير المتحمّل ثقل المسؤولية من أميره، والموازرة: المعاونة(1)، لأنّ الشخص عند المعاونة يتحمّل قسطاً من الثقل عن رفيقه.
وهذه الجملة تعتبر واحدة من الاُسس الهامّة في الإعتقادات الإسلامية، والحقيقة أنّها ترتبط من جانب بالعدل الإلهي، بحيث يرتهن كلّ بعمله. وهو تعالى إنّما يثيب الشخص على سعيه وإجتهاده في طريق الخير، ويعاقبه على ذنبه.
ومن جانب آخر فإنّ فيها إشارة إلى شدّة العقوبة يوم القيامة، بحيث لا يكون أحد مستعدّاً لتحمّل وزر عمل غيره على عاتقه مهما كان قريباً منه.
والإلتفات إلى هذا المعنى له الأثر الفعّال في البناء الروحي للإنسان، حيث يكون مراقباً لنفسه، ولا يسمح لها بالفساد بحجّة فساد الأقران أو المحيط، ففساد المحيط لا يمكن إعتباره مسوغاً لإفساد النفس، إذ أنّ كلا يحمل وحده وزر ذنبه.
ومن جانب آخر فإنّه يفهم الناس ويبصرهم بأنّ حساب الله للمجتمع لا يكون حساباً جمعياً، بل إنّ كلّ فرد يحاسب بشكل مستقل، أي إنّ الفرد إذا أدّى ما عليه من تطهير نفسه، ومحاربة الفساد، فليس عليه أدنى بأس أو خوف إذا كان العالم بأسره ملوّثين بالكفر والشرك والظلم والمعصية.
وأساساً فلن يكون لأي برنامج تربوي أثر ما لم يولّ إهتماماً لهذا الأصل المهمّ (دقّق النظر)!!
هذه المسألة تطرح في الجملة الثانية من الآية بشكل آخر، يقول تعالى: (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى)(2).
في حديث عن ابن عبّاس أو غيره، أنّ اُمّاً وإبنها يأتيان في يوم القيامة وكلاًّ منهما عليه ذنوب كثيرة، وتطلب الاُمّ من إبنها أن يحمل عنها بعض تلك المسؤوليات في قبال تربيتها له وحملها به، فيقول لها إبتعدي عنّي فأنا أسوأ منك حالا(3).
ويبرز هنا السؤال التالي: هل أنّ هذه الآية تنافي ما ورد في الروايات الكثيرة حول السنّة السيّئة والسنّة الحسنة؟ حيث أنّ الروايات تقول: "من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء، ومن سنّ سنّة سيّئة كان له وزرها ووزر من عمل بها".
ولكنّنا إذا التفتنا إلى نكتة واحدة، يتّضح الجواب على هذا السؤال، وهي أنّ عدم تسجيل ذنب أحد على آخر، إنّما هو في صورة أن لا يكون له سهم في ذلك
العمل، ولكن إذا كان له سهم في إيجاد سنّة، أو الإعانة والمساعدة أو الترغيب والتشجيع، فمن المسلّم أنّه يُحسب من عمله ويكون شريكاً ومساهماً في ذلك العمل.
وأخيراً، في الجملة الثالثة من الآية، ترفع الستارة عن حقيقة أنّ إنذارات الرّسول (ص) لها أثرها في القلوب المهيّأة لذلك فقط، تقول الآية الكريمة: (إنّما تنذر الذين يخشون ربّهم بالغيب وأقاموا الصلاة).
فإن لم يكن خوف الله متمكّناً من القلب، ولم يكن هناك إحساس بمراقبة قوّة غيبية في السرّ أو العلن، ولم تنفع الصلاة التي تؤدّي إلى إحياء القلب والتذكير بالله في تقوية ذلك الإحساس ... فلن يكون لإنذارات الأنبياء أثر يذكر.
وحين لا يكون الإنسان قد إعتنق عقيدة ما ولم يؤمن، فلو لم تكن لديه روح البحث عن الحقّ، وإحساس بالمسؤولية تجاه معرفة الحقيقة، فلن يصغي لدعوة الأنبياء، ولن يتفكّر في آيات الله في هذه الدنيا.
وفي الجملة الرابعة يعود مرّة اُخرى إلى حقيقة (إنّ الله غير محتاج لأحد) فتضيف: (ومن تزكّى فإنّما يتزكّى لنفسه).
وفي الختام ينبّه في الجملة الخامسة إلى أنّ المحسنين والمسيئين إن لم ينالوا جزاء أعمالهم في الدنيا فليس لذلك أهميّة ما دام المصير إلى الله (وإلى الله المصير) وبالتالي فانّه سيحاسب الجميع على أعمالهم.
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ لا تحمل نفس آثمة ﴿وِزْرَ﴾ نفس ﴿أُخْرَى وَإِن تَدْعُ﴾ نفس ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ بالوزر ﴿إِلَى حِمْلِهَا﴾ إلى وزرها أحدا ليحمل بعضه ﴿لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ﴾ المدعو ﴿ذَا قُرْبَى﴾ قرابة ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ﴾ غائبين عن عذابه أو عن الناس في خلواتهم ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى﴾ تطهر من الآثام ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ إذ نفعه لها ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ فيجازي بالعمل.