لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وعليه فلا تقلق من عدم إيمانهم، ولا تجزع، فليس عليك من وظيفة إلاّ الإبلاغ والإنذار (إن أنت إلاّ نذير). بحوث 1- آثار الإيمان والكفر نعلم أنّ القرآن لا يعير إهتماماً للحواجز الجغرافية والعرقية والطبقية وأمثالها ممّا يفرّق بين الناس، فالقرآن الكريم يعتبر أنّ الحدّ هو الحدّ بين الإيمان والكفر، وعليه فإنّه يقسّم المجتمع البشري إلى قسمين "المؤمنين" و "الكافرين". ولتعريف "الإيمان" شبّهه القرآن الكريم بـ "النور"، كما أنّه شبّه الكفر بـ "الظلام" وهذا التشبيه أحسن مؤشّر على ما يستخلصه القرآن الكريم من مسألة الكفر والإيمان(2). فالإيمان نوع من الإحساس والنظرة الباطنية، ونوع من العلم والمعرفة متوائمة مع عقيدة قلبية وحركة، ونوع من التصديق الذي ينفذ في أعماق روح الإنسان ليكون منبعاً لكلّ الفعّاليات البنّاءة. أمّا الكفر، فجهل وعدم معرفة وتكذيب يؤدّي إلى تبلّد، بل فقدان الإحساس بالمسؤولية، كما يؤدّي إلى كلّ أنواع الحركات الشيطانية والتخريبية. كذلك نعلم أيضاً بأنّ "النور" منشأ لكلّ حياة وحركة ونمو ورشد في الحياة، بالنسبة إلى الإنسان والحيوان والنبات، على عكس الظلام فهو عامل الصمت والنوم والموت والفناء في حال إستمراره. لذا فلا عجب حينما يشبه القرآن الكريم "الإيمان والكفر" "بالنور والظلمة" تارةً و "بالحياة والموت" تارةً اُخرى، وفي مكان آخر يشبّههما (بالظلّ الظليل والريح السموم)، أو حينما يشبّه (المؤمن والكافر) (بالبصير والأعمى). وقد أوضحنا كلّ ما يتعلّق بهذه التشبيهات الأربعة. ولا نبتعد كثيراً، فعندما نجالس (مؤمناً) نحسّ أثر ذلك النور في كلّ وجوده، أفكاره تنير لمن حوله، وحديثه مليء بالإشراق، أعماله وأخلاقه تعرّفنا حقيقة الحياة وحياة الحقيقة. أمّا الكافر فكلّ وجوده مليء بالظلمة، لا يفكّر إلاّ بمنافعه الماديّة وكيفية الترقّي في الحياة الماديّة، أفقه وفضاء فكره لا يتجاوز حدود حياته الشخصية، غارق في الشهوات، لا يدفع روح وقلب جليسه إلاّ إلى أمواج الظلمات. وعليه فإنّ ما أوضحه القرآن في هذه الآيات، قابل للإدراك والتعقّل بشكل محسوس وملموس. 2- هل أنّ الموتى واقعاً لا يدركون؟ من ملاحظة ما ورد في الآيات أعلاه، يطرح هنا سؤالان: الأوّل: كيف يقول تعالى في القرآن الكريم مخاطباً الرّسول (ص): (وما أنت بمسمع من في القبور)؟ مع أنّه جاء في الحديث المعروف أنّ الرّسول الأكرم (ص) أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طويّ من أطواء بدر خبيث مخبّث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلمّا كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته، فشدّ عليها رحلها ثمّ مشى واتّبعه أصحابه وقالوا: ما نراه ينطلق إلاّ لبعض حاجته، حتّى قام على شفة الركي مجفل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يافلان بن فلان ويافلان بن فلان أيسّركم أنّكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً؟ قال: فقال عمر: يارسول الله ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله (ص): "والذي نفس محمّد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"(3). أو ما ورد في آداب دفن الموتى من تلقينهم عقائد الحقّ. فكيف يمكن التوفيق بين هذه الاُمور والآيات مورد البحث أعلاه. يتّضح الجواب على هذا السؤال إذا أخذنا بنظر الإعتبار ما يلي: إنّ الحديث في الآيات كان حول عدم إدراك الموتى بالشكل الطبيعي والإعتيادي، أمّا الرواية التي ذكرناها أو تلقين الميّت فإنّما ترتبط بظروف خاصّة وغير عاديّة، حيث أنّ الله سبحانه مكّن حديث الرّسول (ص) في تلك الحالة من الوصول إلى أسماع الموتى. وبتعبير آخر فإنّ الإنسان في عالم البرزخ ينقطع إرتباطه مع عالم الدنيا، إلاّ في الموارد التي يأذن الله فيها أن يوصل هذا الإرتباط، ولذا فإنّنا لا نستطيع عادةً الإتّصال بالموتى في الظروف العادية. السؤال الآخر: هو إذا كان حديثنا غير بالغ أسماع الموتى فما معنى لسلامنا على الرّسول الأكرم والأئمّة (ع) والتوسّل بهم، وزيارة قبورهم، وطلب الشفاعة منهم عند الله؟ وقد إستندت جماعة من الوهّابيين المعروفين بجمودهم الفكري على هذا التوهّم الباطل، وبالتمسّك بظواهر الآيات القرآنية، دون الإهتمام بمحتواها العميق، أو الإلتفات إلى الأحاديث الشريفة الكثيرة الواردة في هذا المجال، سعوا إلى نفي وردّ مفهوم "التوسّل" وإثبات بطلانه. الجواب على هذا السؤال أيضاً يتّضح ممّا ذكرناه كمقدّمة في الإجابة على السؤال الأوّل، من أنّ التعامل مع الرّسول (ص) وأولياء الله يختلف عنه مع الآخرين، فهؤلاء كالشهداء (بل إنّهم يحتّلون الصفّ الأوّل أمام الشهداء) وهم أحياء وخالدون، وهم مصداق لقوله: (أحياءٌ عند ربّهم يرزقون)، وبأمر من الله فإنّهم يحتفظون بإرتباطهم بهذا العالم، كما أنّهم يستطيعون وهم في هذه الدنيا أن يتّصلوا بالموتى- كما في حالة قتلى بدر- . إستناداً إلى ذلك نقرأ في روايات كثيرة وردت في كتب الفريقين أنّ الرّسول (ص) والأئمّة (ع) يسمعون سلام من يسلّم عليهم سواء كان قريباً أو بعيداً، بل إنّ أعمال الاُمّة تعرض عليهم(4). الجدير بالملاحظة أنّنا مأمورون بالسلام على الرّسول (ص) في التشهّد الأخير للصلوات اليومية، وهذا إعتقاد المسلمين عامّة، أعمّ من كونهم شيعة أو سنّة، فكيف يمكن مخاطبة من لا يمكنه السماع أصلا؟ كذلك وردت روايات متعدّدة في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، عن الرّسول (ص) أنّه قال: "لقّنوا موتاكم لا إله إلاّ الله"(5). كذلك وردت الإشارة في نهج البلاغة إلى مسألة الإرتباط مع أرواح الموتى، فعندما كان أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قال راجعاً من صفّين أشرف على القبور بظاهر الكوفة: "ياأهل الديار الموحشة... إلى أن قال: أما لو أُذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزاد التقوى"(6). 3- تنويع التعبيرات جزء من الفصاحة لوحظ في التشبيهات الأربعة الواردة في الآيات أعلاه، تعبيرات متفاوتة تماماً مثلا (أعمى- بصير) و (ظلّ- حرور) جاءت بصورة المفرد في حال أنّ (أحياء- أموات) بصورة الجمع، وجاءت (ظلمات- نور) بصورة جمع والثانية بصورة مفرد.. هذا من جانب. ومن جانب آخر فقد قدمت التشبيهات ذات المنحى السلبي على غيرها في التشبيه الأوّل والثاني (أعمى- ظلمات) في حال قدمت التشبيهات ذات المنحى الإيجابي في التشبيه الثالث والرابع (ظلّ- أحياء). ومن جانب ثالث تكرّرت أداة النفي في التشبيهات الثاني والثالث والرابع في حين أنّها لم تتكرّر في التشبيه الأوّل. وأخيراً، فإنّ جملة (ما يستوي) وردت فقط في التشبيه الأوّل والأخير، ولا أثر لها في التشبيهات الاُخرى. بعض المفسّرين علّلوا هذه الإختلافات بتعليلات كثيرة بعضها جدير بالإهتمام وبعضها الآخر مورد مساءلة. وضمن جملة التعليلات اللطيفة أنّ جمع "الظلمات" وإفراد "النور" للتدليل على أنّ الظلمة- التي تعني الكفر- ذات تشعّبات كثيرة، بينما حقيقة "الإيمان" والتوحيد واحدة ليس إلاّ. فالإيمان كالخطّ المستقيم الذي يوصل بين نقطتين لا وجود لسواه بينهما، في حين أنّ ظلمة الكفر مثل آلاف الآلاف من الخطوط المتعرّجة المنحرفة التي يمكن إيجادها بين نقطتين. كذلك فإنّ تقديم التشبيهات ذات المنحى السلبي في المثالين الأوّليين إنّما هو للإشارة إلى الإسلام نقل الناس من الجاهلية وظلمات الشرك إلى نور الهداية. وأمّا المثالان الأخيران فإشارة إلى المراحل الاُخرى التي أحكم الإسلام فيها جذوره في القلوب، ووسّع المناحي الإيجابية في المجتمع. وإذا تجاوزنا كلّ ذلك فإنّ التنوّع أصلا في البيان يمنح الحديث طراوة وروحاً خاصّة، ممّا يجعل ذلك مؤثّراً وجميلا وجذّاباً، في حال أنّ التكرار على نمط واحد يسلب الحديث لطافته- إلاّ في موارد إستثنائية- وبناءً على هذا فإنّ الفصحاء والبلغاء يسعون دائماً إلى تنويع تعبيراتهم وجعلها مؤثّرة، ونعلم أنّ القرآن على أعلى درجات الفصاحة والبلاغة. وعليه، فلو لم يكن غير مراعاة الفصاحة أمر آخر لكفى، مع أنّ من الممكن أن يتوصّل غيرنا من الأجيال القادمة إلى كشف أسرار اُخرى غير ما ذكرنا ممّا هو محجوب عنّا الآن. ﴿إِنْ﴾ ما ﴿أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾.