أخيراً تنتقل الآية مشيرة إلى آخر النعم، وهي عدم وجود عوامل الإزعاج والمشقّة والتعب والعذاب، فتحكي عن ألسنتهم (الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب).
الدار الآخرة هناك دار إقامة لا كما في الدنيا حيث أنّ الإنسان ما أن يألف محيطه ويتعلّق به حتّى يقرع له جرس الرحيل! هذا من جانب .. ومن جانب آخر فمع أنّ العمر هناك متّصل بالأبد، إلاّ أنّ الإنسان لا يصيبه الملل أو الكلل، أو التعب أو النصب مطلقاً، لأنّهم في كلّ آن أمام نعمة جديدة، وجمال جديد.
"النصب" بمعنى التعب، و "اللغوب" بمعنى التعب والنصب أيضاً. هذا على ما تعارف عليه أهل اللغة والتّفسير، في حين أنّ البعض فرّق بين اللفظتين فقال بأنّ (النصب) يطلق على المشاقّ الجسمانية، و "اللغوب" يطلق على المشاقّ الروحية(3). أو أنّه الضعف والنحول الناجم عن المشقّة والألم، وبذا يكون "اللغوب" ناجماً عن "النصب"(4).
وبذا فلا وجود هناك لعوامل التعب والمشقّة، سواء كانت نفسية أو جسمانية.
﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ﴾ أي الإقامة ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من عطائه وتفضله بتكليفنا مما استوجبنا به ذلك ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ تعب ﴿وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ تعب وإعياء إذ لا تكليف.