التّفسير
آية أُخرى من آيات الله:
أشارت الآية في آخر مرحلة من شرحها لحياة الأنبياء إلى السيّد المسيح (ع)واُمّه مريم، فقالت: (وجعلنا ابن مريم واُمّه آية).
وقد استعملت "الآية" عبارة "ابن مريم" بدلا من ذكر اسم عيسى (ع)، لجلب الإنتباه إلى حقيقة ولادته من اُمّ دون أب بأمر من الله، وهذه الولادة هي بذاتها من آيات الله الكبيرة.
وحمل مريم (عليها السلام) من غير أن يمسّها بشر، وإنجابها عيسى (ع) وجهان لحقيقة واحدة تشهد بعظمة الله سبحانه المبدعة وقدرته.
ثمّ أشارت الآية إلى الأنعم الكبيرة التي أسبغها الله على هذه الاُمّ الزكيّة وإبنها فتقول: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين).
"الربوة" مشتقّة من "الربا" بمعنى الزيادة والنمو.
وتعني هنا المكان المرتفع.
و "المعين" مشتّق من "المعن" على وزن "شأن" بمعنى جريان الماء، فالماء المعين هو الماء الجاري.
ويرى البعض أنّ "المعين" مشتق من "العين" أي نبع الماء الظاهر الذي يمكن مشاهدته بالعين المجرّدة(1).
وفي هذا إشارة مجملة إلى المكان الآمن الوارف البركات والخيرات، الذي منّ الله عزّوجلّ به على هذه الاُمّ وإبنها وجعلهما في أمان من شرّ الأعداء، يؤدّيان واجباتهما باطمئنان.
وإختلف المفسّرون في هذا المكان، فبعض يرى أنّ مولد السيّد المسيح (ع)كان في "الناصرة" (من مدن الشام).
وقد جعله الله واُمّه في مكان آمن ذي خيرات، وحافظ عليه من شرّ الأعداء الذين أرادوا أن يكيدوا بعد علمهم بولادته ومستقبله.
ويرى آخرون أنّ هذا المكان الآمن هو "مصر"، لأنّ مريم (عليها السلام) وإبنها السيّد المسيح (ع) عاشا فترةً من حياتهما في مصر طلباً للنجاة من شرّ الأعداء.
وقال غيرهم: إنّ المسيح (ع) ولد في "دمشق"، وذهب سواهم إلى أنّه في "الرملة" في الشمال الشرقي من القدس، حيث عاش المسيح واُمّه (عليهما السلام) في كلّ من هذه المناطق فترة من حياتهما.
ويحتمل أن يكون مولد السيّد المسيح (ع) في صحراء القدس، وقد جعله الله أمناً لهذه الاُمّ والوليد، وفجّر لهما ماء معيناً ورزقهم من النخل الجافّ رطباً جليّاً.
وعلى كلّ حال، فقد كانت الآية دليلا على حماية الله تعالى الدائمة لرسله ولمن يدافع عنهم.
وتأكيداً على أنّ إرادة الله هي الأقوى، فلو أراد الملأ كلّهم قتل رسوله دون إذنه لما تمكّنوا.
فالوحدة وقلّة الأنصار والأتباع لا تكون سبباً لهزيمتهم إطلاقاً.
﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ بأن ولدته بغير فحل فهو آية واحدة فيهما أو ابن مريم آية بكلامه في المهد وأمه آية بولادتها بلا فحل ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ﴾ أرض مرتفعة هي أرض بيت المقدس أو الرملة أو دمشق أو مصر ﴿ذَاتِ قَرَارٍ﴾ استواء يستقر عليها أو ثمار لأجلها يستقر فيها ﴿وَمَعِينٍ﴾ ماء جار ظاهر للعيون.