تقول الآية الكريمة: (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات)(1) فهل خلقوا شيئاً في الأرض. أم شاركوا الله في خلق السماوات؟!
ومع هذا الحال فما هو سبب عبادتكم لها، لأنّ كون الشيء معبوداً فرع كونه خالقاً، فما دمتم تعلمون أنّ خالق السماوات والأرض هو الله تعالى وحده، فلن يكون هناك معبود غيره، لأنّ توحيد الخالقية دليل على توحيد العبودية.
والآن بعد أن ثبت أنّكم لا تملكون دليلا عقلياً على ادّعائكم، فهل لديكم دليل نقلي؟ (أم آتيناهم كتاباً فهم على بيّنة منه).
كلاّ، فليس لديهم أي دليل أو بيّنة أو برهان واضح من الكتب الإلهية، إذاً فليس لديهم سوى المكر والخديعة (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلاّ غروراً).
وبتعبير آخر، إذا كان لعبدة الأوثان وسائر المشركين من كلّ مجموعة وكلّ صنف إدّعاء بقدرة الأصنام على تلبية مطالبهم، فعليهم أن يعرضوا نموذجاً لخلقهم من الأرض، وإذا كانوا يعتقدون أنّ تلك الأصنام مظهر الملائكة والمقدّسين في السماء- كما يدّعي البعض- فيجب أن يقيموا الدليل على أنّهم شركاء في خلق السماوات .. وان كانوا يعتقدون بأنّ هؤلاء الشركاء ليس لهم نصيب في الخلقة، بل لهم مقام الشفاعة- كما يدّعي البعض- فيجب أن يأتوا بدليل على إثبات ذلك الإدّعاء من الكتب السماوية.
والحال أنّهم لا يملكون أيّاً من هذه البيّنات، فهم مخادعون ظالمون ليس لهم سوى المكر وخديعة بعضهم البعض.
الجدير بالملاحظة أيضاً هو المقصود بـ "الأرض والسموات" هنا هو مجموعة المخلوقات الأرضية والسماوية، والتعبير بـ (ماذا خلقوا من الأرض) و (شرك في السموات) إشارة إلى أنّ المشاركة في السماوات إنّما يجب أن تكون عن طريق الخلق.
وتنكير "كتاباً"، مع إستناده إلى الله سبحانه، إشارة إلى أنّه ليس هنا أدنى دليل على ادّعائهم في أي من الكتب السماوية.
"بيّنة" إشارة إلى دليل واضح من تلك الكتب السماوية.
"ظالمون" تأكيد مرّة اُخرى على أنّ "الشرك" "ظلم" واضح.
"غرور" إشارة إلى أنّ عبدة الأوثان أخذوا هذه الخرافات بعضهم من بعض، وتلاقفوها إمّا على شكل شائعات، أو تقاليد من بعضهم الآخر.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي أصنامكم التي أشركتموها بالله تعالى ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ بدل اشتمال من ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أي أخبروني أي شيء منها خلقوه ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ﴾ شركة مع الله ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾ في خلقها ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ أي الأصنام أو المشركين ﴿كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ حجة ﴿مِّنْهُ﴾ بأنا جعلناهم شركاء ﴿بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم﴾ أي الرؤساء ﴿بَعْضًا﴾ أي الأتباع ﴿إِلَّا غُرُورًا﴾ باطلا بقولهم الأصنام تشفع لهم.