لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وتنتقل الآية التي بعدها إلى الحديث عن حاكمية الله سبحانه وتعالى على مجموعة السماوات والأرض، وفي الحقيقة فإنّها تنتقل إلى إثبات توحيد الخالقية والربوبية بعد نفي شركة أي من المعبودات الوهمية في عالم الوجود فتقول: (إنّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا)(2). فليس بدء الخلق- فقط- مرتبطاً بالله، فإنّ حفظ وتدبير الخلق مرتبط بقدرته أيضاً، بل إنّ الخلق له في كلّ لحظة خلق جديد، وفيض الوجود يغمر الخلق لحظة بعد اُخرى من مبدأ الفيض. ولو قطعت الرابطة بين الخلق وبين ذلك المبدأ العظيم الفيّاض، فليس إلاّ العدم والفناء. صحيح أنّ الآية تؤكّد على مسألة حفظ نظام الوجود الموزون، ولكن- كما ثبت من الأبحاث الفلسفيّة- فإنّ الممكنات محتاجة في بقائها إلى موجدها كإحتياجها إليه في بدء إيجادها، وبذلك فإنّ حفظ النظام ليس سوى إدامة الخلق الجديد والفيض الإلهي. الملفت للنظر أنّ الأجرام والكرات السماوية، مع كونها غير مقيّدة بشيء آخر، إلاّ أنّها لم تبرح أماكنها أو مداراتها التي حدّدت لها منذ ملايين السنين، دون أن تنحرف عن ذلك قيد أنملة، كما نلاحظ ذلك في المجموعة الشمسية، فالأرض التي نعيش عليها تواصل دورانها حول الشمس منذ ملايين بل مليارات السنين في مسيرها المحدّد والمحسوب بدقّة والذي يتحقّق من التوازن بين القوى الدافعة والجاذبة، كما أنّها تدور في نفس الوقت حول نفسها، ذلك بأمر الله. وللتأكيد تضيف الآية قائلة: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده). فلا الأصنام التي صنعتموها ولا الملائكة، ولا غير ذلك، لا أحد غير الله قادر على ذلك. وفي ختام الآية- لكي يبقى طريق الأوبة والإنابة أمام المشركين الضالّين مفتوحاً يقول تعالى محبّذاً لهم التوبة في كلّ مرحلة من الطريق (إنّه كان حليماً غفوراً). فبمقتضى (حلمه) لا يتعجّل عقابهم، وبمقتضى (غفرانه) يتقبّل توبتهم- بشرائطها- في أي مرحلة من مراحل مسيرهم، وعليه فإنّ ذيل الآية يشير إلى وضع المشركين وشمول الرحمة الإلهية لهم في حال توبتهم وإنابتهم. اعتبر بعض المفسّرين أنّ هذين الوصفين ذكرا لإرتباطهما بموضوع حفظ السموات والأرض، إذ أنّ زوالهما مصيبة عظيمة، وبمقتضى حلم الله وغفرانه فإنّه لا يشمل الناس بمثل ذلك العذاب وتلك المصيبة، وإن كانت أقوال وأعمال الكثير من هؤلاء الكفّار موجبة لإنزال ذلك العذاب، كما ورد في الآيات 88 إلى 90 من سورة مريم (وقالوا اتّخذ الله ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً). والجدير بالملاحظة أيضاً أنّ جملة (ولئن زالتا) ليست بمعنى أنّه "إذا زالت فليس أحد غير الله يحفظها"، بل بمعنى "أنّها إذا شارفت على السقوط والزوال فإنّ الله وحده يستطيع حفظها، وإلاّ فلا معنى للحفظ بعد الزوال". وقد حدث- على طول التاريخ البشري- مراراً أنّ علماء الفلك توقّعوا أنّ "النجم الفلاني" المذنّب أو غير المذنّب سيمرّ بمحاذاة الكرة الأرضية ويحتمل أن يصطدم بها، هذه التوقّعات تدفع جميع الناس إلى القلق، وفي هذه الشرائط يحسّ الجميع بأنّه في مثل حادث كهذا، ليس في إمكان أحد أن يؤثّر شيئاً، بحيث لو إنطلقت إحدى الكرات السماوية باتّجاه الكرة الأرضية وإصطدمتا فيما بينهما بتأثير الجاذبية فلن يبقى للتمدّن البشري أثر، وحتّى الموجودات الاُخرى سوف لن يبقى لها أثر على سطح الأرض، ولن تستطيع أيّة قدرة عدا قدرة الله منع مثل هذه الكارثة من الوقوع. في مثل تلك الحالات يحسّ الجميع بالحاجة الماسّة والمطلقة إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بمجرّد أن تزول إحتمالات الخطر، يلقي النسيان بظلاله على الإنسان. هذه الكارثة لا تقع فقط من مجرّد إصطدام السيارات مع بعضها، بل إنّ أيّ إنحراف بسيط لأيّ من السيارات- كالأرض مثلا- عن مسارها يؤدّي إلى وقوع فاجعة عظيمة. ملاحظة الصغير والكبير سيّان أمام قدرة الله! الملفت للنظر أنّ الآيات أعلاه ذكرت أنّ السماوات تستند إلى قدرة الله في ثباتها وبقائها، وفي آيات اُخرى من القرآن ورد نفس التعبير فيما يخصّ حفظ الطيور حال طيرانها في السماء. (ألم يروا إلى الطير مسخّرات في جوّ السماء ما يمسكهنّ إلاّ الله، إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون). ففي موضع يشير إلى أنّ خلق السموات الواسعة دليل على وجوده تعالى، وفي موضع آخر يعتبر خلق حشرة صغيرة كالبعوضة دليلا على ذلك. حيناً يقسم بالشمس لأنّها منبع عظيم للطاقة في عالم الوجود، وحيناً يقسم بفاكهة مألوفة كالتين. كلّ ذلك إشارة إلى أنّه لا فرق بين كبير وصغير أمام قدرة الله. أمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات والسلام يقول: "وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلاّ سواء". إنّ هذه الأشياء جميعها تشير إلى شيء واحد، وهو أنّ وجود الله سبحانه وتعالى، وجود لا متناه من جميع الجهات، والتدقيق في مفهوم "اللامتناهي" يثبت هذه الحقيقة بشكل تامّ، وهي أنّ مفاهيم مثل "الصعب" و "السهل" و "الصغير" و"الكبير" و "المعقّد" و "البسيط" لها معنى بحدود الموجودات المحدودة- فقط- ولكن حينما يكون الحديث عن قدرة الله تعالى المطلقة فإنّ هذه المفاهيم تتغيّر بشكل كلّي وتقف جميعاً في صفّ واحد بدون أدنى تفاوت فيما بينها "دقّق النظر!!". ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا﴾ كراهة زوالهما أو يمنعهما من الزوال ﴿وَلَئِن زَالَتَا إِنْ﴾ ما ﴿أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾ بعد الله أو بعد زوالهما ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا﴾ لا يعاجل بالعقوبة ﴿غَفُورًا﴾ للذنوب.