ثمّ يتنبّأ القرآن الكريم بما يؤول إليه مصير الكفّار والمشركين فيقول تعالى: (لقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون).
إحتمل المفسّرون هنا العديد من الإحتمالات في المراد من "القول" هنا.
الظاهر أنّه ذلك الوعيد الإلهي لكل أتباع الشيطان بالعذاب في جهنّم، فمثله ما ورد في الآية (13) من سورة السجدة (ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والناس أجمعين). كذلك في الآية (71) من سورة الزمر نقرأ (ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين).
على كلّ حال فإنّ ذلك يخصّ اُولئك الذين قطعوا كلّ إرتباط لهم بالله سبحانه وتعالى، وأغلقوا عليهم منافذ الهداية بأجمعها، وأوصلوا عنادهم وتكبّرهم وحماقتهم إلى الحدّ الأعلى، نعم فهم لن يؤمنوا أبداً، وليس لديهم أي طريق للعودة، لأنّهم قد دمّروا كلّ الجسور خلفهم.
في الحقيقة فإنّ الإنسان القابل للإصلاح والهداية هو ذلك الذي لم يلوّث فطرته التوحيدية تماماً بأعماله القبيحة وأخلاقه المنحرفة، وإلاّ فإنّ الظلمة المطلقة ستتغلّب على قلبه وتغلق عليه كلّ منافذ الأمل.
فاتّضح أنّ المقصود هم تلك الأكثرية من الرؤوس المشركة الكافرة التي لم تؤمن أبداً، وكذلك كان، فقد قتلوا في حروبهم ضدّ الإسلام وهم على حال الشرك وعبادة الأوثان، وما تبقى منهم ظلّ على ضلاله إلى آخر الأمر.
وإلاّ فإنّ أكثر مشركي العرب أسلموا بعد فتح مكّة بمفاد قوله تعالى: (يدخلون في دين الله أفواجاً).(7)
ويشهد بذلك ما ورد في الآيات التالية التي تتحدّث عن وجود سدٍّ أمام وخلف هؤلاء وكونهم لا يبصرون. وأنّه لا ينفع معهم الإنذار أو عدمه(8).
﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾ بالعذاب ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ باختيارهم.