لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ أنّ الله سبحانه يذكر بعد ذلك حكم الزنا عن إحصان إِذ يقول: (واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فإِن تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما إِنّ الله كان تواباً رحيماً)ويقصد أنّ الرجل غير المحصن أو المرأة غير المحصنة إِن أتيا بفاحشة الزنا فجزاؤهما أن يؤذيا". والآية وإِن كانت لا تذكر قيد "عدم الإِحصان"، صراحة، إِلاّ أنّها حيث جاءت بعد ذكر حكم المحصنة وذكر عقوبتها التي تختلف عن هذه العقوبة التي هي أخف من العقوبة المذكورة في الآية السابقة، أستفيد منها إِنها واردة في حق الزنا عن غير إِحصان، وإِنها بالتالي عقوبة الزاني غير المحصن والزانية غير المحصنة اللذين لا يدخلان في عنوان الآية السابقة، وبالتالي حيث أن الآية السابقة إختصّت - بالقرينة التي ذكرت - بالزانية المحصنة إستنتجنا أنّ هذه الآية تبيّن حكم الزنا عن غير إِحصان. كما أنّ هناك نقطة واضحة أيضاً، وهي أنّ الحكم المذكور في هذه الآية (أي الإِيذاء) عقوبة كلية، يمكن أن تكون الآية الثانية من سورة النور التي تذكر أن حدّ الزنا هو (100) جلدة لكل واحد من الزاني والزانية تفسيراً وتوضيحاً لهذه الآية وتعييناً للحكم الوارد فيها، ولهذا لا يكون هذا الحكم منسوخاً أيضاً. ففي تفسير العياشي روي عن الإِمام الصادق(عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنّه قال: "يعني البكر إِذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب فاذوهما". وعلى هذا يكون المراد من "اللذان" - وإِن كان للإِشارة إِلى مثنى مذكر - هو الرجل والمرأة أي من باب التغلب. هذا وقد احتمل جماعة من المفسرين أن يكون الحكم الوارد في هذه الآية وارداً في مجال "اللواط" واعتبروا الحكم في الآية السابقة وارداً في مجال "المساحقة"، ولكن رجوع الضمير في "يأتيانها" إِلى "الفاحشة" في الآية السابقة يفيد أن العمل المستلزم لهذا الحكم الصارم في هذه الآية هو من نوع العمل المذكور في الآية السابقة لا من نوع آخر، ولهذا فإِن اعتبار أنّ هذه الآية واردة في شأن اللواط، والآية السابقة واردة في شأن المساحقة خلاف الظاهر، (وإِن كان كلا العملين اللواط والمساحقة يشتركان في عنوان كلي، وهو الميل إِلى الجنس الموافق) وعلى هذا تكون كلتا الآيتين واردتين في حدّ الزنا وحكمه. هذا مضافاً إِلى أننا نعلم أنّ عقوبة "اللواط" في الإِسلام هو القتل والإِعدام وليست الإِيذاء والجلد، وليس ثمّة أي دليل على انتساخ الحكم المذكور في الآية الحاضرة. ثمّ إِنّ الله سبحانه بعد ذكر هذا الحكم يشير إِلى مسألة التوبة والعفو عن مثل هؤلاء العصاة، فيقول: (فإِن تابا، وأصلحا، فأعرضوا عنهما أنّ الله كان تواباً رحيماً). وهذا التعليم هو في الحقيقة يفتح طريق العودة ويرسم خط الرجعة لمثل هؤلاء العصاة، فإِن على المجتمع الإِسلامي أن يحتضن هؤلاء إِذا تابوا ورجعوا إِلى الطهر والصواب وأصلحوا، ولن يطردوا من المجتمع بعد هذا بحجّة الفساد والإِنحراف. هذا ويستفاد من هذا الحكم أيضاً - أنّه يجب أن لا يعير العصاة الذين رجعوا إِلى جادة الصواب وتابوا وأصلحوا على أفعالهم القبيحة السابقة، وأن لا يلاموا على ذنوبهم الغابرة، فإِذا كان الحكم الشرعي والعقوبة الإِلهية يسقطان بسبب التوبة والإِنابة، فإنّ من الأُولى أن يغض الناس الطرف عن سوابقهم، وهذا بنفسه جار في من نفذ فيه الحدّ الشرعي ثمّ تاب بعد ذلك، فإنّه يجب أن تشمله مغفرة المسلمين وعفوهم. العقوبات الإِسلامية السهل الممتنع: قد يتساءل البعض أحياناً: لماذا قرر الإِسلام عقوبات صارمة، وأحكاماً ييجزائية قاسية وثقيلة؟ فمث: لماذا حكم بالحبس الأبدي أوّ على الزانية عن إِحصان، ثمّ قرّر الحكم القتل والإِعدام في شأنهما في مابعد، ألم يكن من الأفضل أن يتّخذ الإِسلام موقفاً أكثر تسامحاً وليناً تجاه هذه الأفعال، لتتعادل الجريمة والعقوبة ولا يرجح أحدهما على الآخر؟ غير أنّ العقوبات الإِسلامية وإِن كانت تبدو في الظاهر صعبة وقاسية وثقيلة، يإِلاّ أنّ إِثبات الجريمة في الإِسلام في المقام ليس سه، أيضاً فقد عين الإِسلام وحدد لإِثبات الجريمة شروطاً لاتثبت - في الأغلب - إِلاّ إِذا وقعت الجريمة علناً. يفمث: تصعيد عدد الشهود في الزنا إِلى الأربعة - كما في الآية الحاضرة - من الأُمور الصعبة جدّاً بحيث لا يثبت بها إِلاّ من كان مجرماً جسوراً جدّاً، ولا شك يأن مثل هؤلاء لابدّ أن ينالوا عقاباً ثقي وقاسياً ليعتبر بهم الآخرون، فتطهر بذلك البيئة الإِجتماعية من لوث الفساد والإِنحراف والتورط في الجريمة، كما أن المواصفات والشروط المعتبرة في الشهود مثل رؤية العملية الجنسية بعينها، وعدم الإِكتفاء بالقرائن، ومثل الإِتحاد في الشهادة وما شاكل ذلك تجعل إِثبات الجريمة أصعب جدّاً. وبهذا الطريق جعل الإِسلام إِحتمال التعرض لمثل هذه العقوبة القاسية الثقيلة نصيب عيني هذا النوع من المجرمين، وهو إِحتمال مهما كان ضعيفاً من شأنه أن يؤثر في ردع الأشخاص، وكبح جماحهم، وأمّا الدقّة في كيفية إِثبات هذه الجريمة، والتشدد في الشرائط التي اعتبرها في الشهادة والشهود فهو لأجل أن لا تتسع دائرة هذه الأعمال الخشنة، ولا يقتصر استعمال العقوبات الخشنة فيها على أقل الموارد، وفي الحقيقة أراد الإِسلام أن يحافظ على الأثر التهديدي لهذا القانون الجزائي من دون أن يعرض أفراداً كثيرين لعقوبة الإِعدام من جانب آخر. ونتيجة ذلك هي أنّ هذا الأسلوب الإِسلامي في تعيين العقوبة وطريق إِثبات الجريمة من أكثر الأساليب تأثيراً ونجاحاً في خلاص المجتمع من التورط في الآثام والمعاصي في حين لا يتعرض لمثل هذه العقوبة أفراد كثيرون، وبهذا نصف هذا الأسلوب بالأُسلوب "السهل الممتنع". ﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ﴾ أي الزاني والزانية ﴿فَآذُوهُمَا﴾ بالتوبيخ والتعيير ﴿فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا﴾ وكفوا عن إيذائهما ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ علة الأمر بالإعراض قيل هذه سابقة على الأولى نزولا وكان عقوبة الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد.