ولكن الوثنيين لم يسلموا أمام ذلك المنطق الواضح وتلك المعجزات، بل إنّهم زادوا من عنفهم في المواجهة، وإنتقلوا من مرحلة التكذيب إلى مرحلة التهديد والتعامل الشديد (قالوا إنّا تطيّرنا بكم)(3).
ويحتمل حدوث بعض الوقائع السلبية لهؤلاء القوم في نفس الفترة التي بعث فيها هؤلاء الأنبياء، وكانت إمّا نتيجة معاصي هؤلاء القوم، أو كإنذارات إلهية لهم، فكما نقل بعض المفسّرين فقد توقّف نزول المطر عليهم لمدّة(4)، ولكنّهم لم يعتبروا من ذلك، بل إنّهم اعتبروا تلك الحوادث مرتبطة ببعثة هؤلاء الرسل. ولم يكتفوا بذلك، بل إنّهم أظهروا سوء نواياهم من خلال التهديد الصريح والعلني، وقالوا: (لئن لم تنتهوا لنرجمنّكم وليمسنّكم منّا عذاب أليم).
هل أنّ "العذاب الأليم" هو تأكيد على مسألة الرجم، أو زيادة المجازاة أكثر من الرجم وحده؟
يوجد إحتمالان، ولكن يبدو أنّ الإحتمال الثاني هو الأقرب، لأنّ الرجم من أسوأ أنواع العذاب الذي قد ينتهي أحياناً بالموت، ومن الممكن أن ذكر (العذاب الأليم) إشارة إلى أنّنا سنرجمكم إلى حدّ الموت، أو أنّه علاوة على الرجم فإنّنا سنمارس معكم أنواعاً اُخرى من التعذيب التي كانت تستعمل قديماً كإدخال الأسياخ المحمّاة في العيون أو صبّ الفلز المذاب في الفمّ وأمثالها.
بعض المفسّرين احتملوا أيضاً أنّ (الرجم) هو تعذيب جسماني أمّا "العذاب الأليم" فهو عذاب معنوي روحي(5). ولكن الظاهر أنّ التّفسير الأوّل هو الأقرب.
أجل، فلأنّ أتباع الباطل وحماة الظلم والفساد لا يملكون منطقاً يمكنهم من المنازلة في الحوار، فإنّهم يستندون دائماً إلى التهديد والضغط والعنف، غافلين عن أنّ سالكي طريق الله لن يستسلموا أمام أمثال هذه التهديدات، بل سيزيدون من إستقامتهم على الطريق، فمنذ اليوم الأوّل الذي سلكت فيها أقدامهم طريق الدعوة إلى الله وضعوا أرواحهم على الأكف، واستعدوا لأي نوع من الفداء والتضحية.
﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا﴾ تشاء منا ﴿بِكُمْ﴾ إذا دعيتم كذبا وحلفتم عليه ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.