هنا ردّ الرسل الإلهيون بمنطقهم العالي على هذيان هؤلاء: (قالوا طائركم معكم أئن ذكّرتم).
فإذا أصابكم سوء الحظّ وحوادث الشؤم، ورحلت بركات الله عنكم، فإنّ سبب ذلك في أعماق أرواحكم، وفي أفكاركم المنحطّة وأعمالكم القبيحة المشؤومة، وليس في دعوتنا، فها أنتم ملأتم دنياكم بعبادة الأصنام وأتباع الهوى والشهوات، وقطعتم عنكم بركات الله سبحانه وتعالى.
جمع من المفسّرين ذهبوا إلى أنّ جملة (أئن ذكّرتم) جملة مستقلّة وقالوا: إنّ معناها هو "هل أنّ الأنبياء إذا جاءوا وذكروكم وأنذروكم يكون جزاؤهم تهديدهم بالعذاب والعقوبة وتعتبرون وجودهم شؤماً عليكم؟ وما جلبوا لكم إلاّ النور والهداية والخير والبركة. فهل جواب مثل هذه الخدمة هو التهديد والكلام السيء؟!(6).
وفي الختام قال الرسل لهؤلاء (بل أنتم قوم مسرفون).
فإنّ مشكلتكم هي الإسراف والتجاوز، فإذا أنكرتم التوحيد وأشركتم فسبب ذلك هو الإسراف وتجاوز الحقّ، وإذا أصاب مجتمعكم المصير المشؤوم فبسبب ذلك الإسراف في المعاصي والتلوّث بالشهوات، وأخيراً ففي قبال الرغبة في العمل الصالح تهدّدون الهادفين إلى الخير بالموت، وهذا أيضاً بسبب التجاوز والإسراف.
وسوف نعود إلى شرح قصّة اُولئك القوم، وما جرى لهؤلاء الرسل، بعد تفسير الآيات الباقية التي تكمل القصّة.
﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ﴾ شؤمكم ﴿مَعَكُمْ﴾ بكفركم ﴿أَئِن ذُكِّرْتُم﴾ وعظتم وجواب إن مقدر كتطيرتم ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ متجاوزون الحد في الكفر.