تضيف الآية التالية: (قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا، هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).
نعم فإنّ المشهد مهول ومذهل إلى درجة أنّ الإنسان ينسى جميع الخرافات والأباطيل ولا يتمكّن إلاّ من الإعتراف الواضح الصريح بالحقائق، الآية تصوّر القبور (بالمراقد) والنهوض من القبور (بالبعث) كما ورد في الحديث المعروف (كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون).
ففي البدء يستغربون إنبعاثهم ويتساءلون عمّن بعثهم من مرقدهم؟ ولكنّهم يلتفتون بسرعة ويتذكّرون بأنّ أنبياء الله الصادقين، وعدوهم بمثل هذا اليوم، فيجيبون أنفسهم قائلين: (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) ولكن وا أسفاه إنّنا كنّا نستهزىء بكلّ ذلك!!
وعليه فإنّ هذه الجملة هي بقيّة حديث هؤلاء المتكبّرين الكفرة بالمعاد والبعث، ولكن البعض ذهب إلى أنّ حديث الملائكة أو المؤمنين، وذلك على ما يبدو خلاف ظاهر الآية، ولا داعي ولا ضرورة له، لأنّ إعتراف الكفّار والمنكرين للمعاد في ذلك اليوم لا ينحصر بهذه الآية، ففي الآية (97) من سورة الأنبياء (واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين).
وعلى كلّ حال، فإنّ التعبير بـ (مرقد)(2) يوضّح أنّهم في عالم البرزخ كانوا بحالة شبيهة بالنوم العميق، وكما ذكرنا في تفسير الآية (100) من سورة (المؤمنون)، فإنّ البرزخ بالنسبة إلى أكثر الناس الذين هم على الوسط من الإيمان أو الكفر هو حالة شبيهة بالنوم، وفي حال المؤمنين أصحاب المقامات الرفيعة، أو الكفّار الموغلين في الكفر والجحود فإنّ البرزخ بالنسبة إليهم عالم واضح المعالم، وهم فيه أيقاظ يهنأون في النعيم أو يصطرخون في العذاب.
احتمل بعضهم أيضاً أنّ هول ودهشة القيامة شديدان إلى درجة أنّ العذاب في البرزخ يكون شبه النوم بالنسبة إلى ما يرونه في القيامة.
﴿قَالُوا﴾ أي الكفار منهم ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ هلاكنا ﴿مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾.