التّفسير
شرائط قبول التوبة:
في الآية السابقة بيّن الله تعالى بصراحة مسألة سقوط العقوبة عن مرتكبي الفاحشة ومعصية الزّنا إِذا تابوا وأصلحوا، ثمّ عقب ذلك بقوله: (إِنّ الله كان تواباً رحيماً) مشيراً بذلك إِلى قبول التوبة من جانب الله أيضاً.
وفي هذه الآية يشير سبحانه إِلى شرائط قبول التوبة إذ يقول: (إنّما التوبة على الله للذين يعملون السّوء بجهالة).
وهنا يجب أن نرى ماذا تعني "الجهالة" هل هي الجهل وعدم المعرفة بالمعصية، أم هي عدم المعرفة بالآثار السيئة والعواقب المؤلمة للذنوب والمعاصي؟
إِنّ كلمة الجهل وما يشتق منها وإِن كانت لها معان مختلفة، ولكن يستفاد من القرائن أنّ المراد منها في الآية المبحوثة هنا هو طغيان الغرائز، وسيطرة الأهواء الجامحة وغلبتها على صوت العقل والإِيمان، وفي هذه الصورة وإِن لم يفقد المرء العلم بالمعصية، إِلاّ أنّه حينما يقع تحت تأثير الغرائز الجامحة، ينتفي دور العلم يويفقد مفعوله وأثره، وفقدان العلم لأثره مساو للجهل عم.
وأمّا إِذا لم يكن الذنب عن جهل وغفلة، بل كان عن إِنكار لحكم الله سبحانه وعناد وعداء، فإِن إرتكاب مثل هذا الذنب ينبىء عن الكفر، ولهذا لا تقبل التوبة منه، إِلاّ أن يتخلّى عن عناده وعدائه وإِنكاره وتمرده.
وفي الحقيقة إِنّ هذه الآية تبيّن نفس الحقيقة التي يذكرها الإِمام السجاد(عليه السلام)في دعاء أبي حمزة ببيان أوضح إِذ يقول: "إِلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد ولا بأمرك مستخف، ولا لعقوبتك متعرض، ولا لوعيدك متهاون، لكن خطيئة عرضت وسولت لي نفسي وغلبني هواي".
ثمّ إنّ الله سبحانه يشير إِلى شرط آخر من شروط قبول التوبة إِذ يقول: (ثمّ يتوبون من قريب).
﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ﴾ أي قبول التوبة الذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى وعده ﴿عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ﴾ متلبسين ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ إذ ارتكاب الذنب جهل وسفه قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر في معصية ربه ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ وهو ما قبل حضور الموت لقوله: حتى إذا حضر أحدهم الموت وقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من تاب قبل أن يغرغر تاب الله عليه أو المعنى قبل أن يصير رينا على قلوبهم ﴿فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً﴾ بتوبتهم ﴿حَكِيماً﴾ فيها يعاملهم به.