لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولا تنتهي منافعها إلى هذا الحدّ، بل (ولهم فيها منافع ومشارب) وعليه (أفلا يشكرون) الشكر الذي هو وسيلة معرفة الله وتشخيص وليّ النعمة. هنا يجب الإلتفات إلى بعض الاُمور: 1- من بين النعم المختلفة التي تغمر الإنسان، أشارت الآية إلى نعمة وجود الأنعام، لأنّها تشكّل حضوراً دائماً في حياة الإنسان اليومية، إلى حدّ أنّ حياة الإنسان إقترنت بها، بحيث لو أنّها حذفت من صفحة حياة الإنسان فإنّ ذلك سيشكّل عقدة ومشكلة بالنسبة إلى معيشته وأعماله، غير أنّ الإنسان لا يلتفت إلى أهمّيتها لأنّه تعوّد رؤيتها يومياً. 2- جملة (عملت أيدينا) كناية عن إعمال القدرة الإلهيّة بشكل مباشر، إذ أنّ أهمّ الأعضاء التي يمارس بها الإنسان قدرته ويعبّر عنها هي يداه، لهذا السبب كانت "اليد" كناية عن القدرة، كأن يقول أحدهم: "إنّ المنطقة الفلانية في يدي" كناية عن أنّها تحت سيطرته ونفوذه، ويقول القرآن في هذا الصدد (يد الله فوق أيديهم).(2) وذكر "الأيدي" هنا بصيغة الجمع إشارة إلى مظاهر متنوّعة لقدرة الباري عزّوجلّ. 3- جملة (فهم لها مالكون) المبتدأة بفاء التفريع، إشارة إلى أنّ الخلق مرتبط بقدرتنا، وأمّا المالكية فقد فوّضناها إلى الإنسان، وذلك منتهى اللطف الإلهي، وعليه فلا محلّ للإشكال الذي ظهر لبعض المفسّرين نتيجة وجود "فاء التفريع"، فالمعنى تماماً كما نقول لشخص: هذا البستان زرعناه وأعمرناه، استفد منه أنت، وهذا منتهى إظهار المحبّة والإيثار. 4- جملة (وذلّلناها لهم) إشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي تذليل هذه الحيوانات للإنسان. فتلك الحيوانات القوية والتي تنسى في بعض الأحيان ذلك التذليل الإلهي، وتثور وتغضب وتعاند فتصبح خطرة إلى درجة أنّ عشرات الأشخاص لا يمكنهم الوقوف أمامها. وفي حالاتها الإعتيادية فإنّ قافلة كاملة من الجمال يقودها تارةً صبي لم يبلغ الحلم، ويدفعها في الطريق الذي يرتئيه! إنّه لأمر عجيب حقّاً، فإنّ الإنسان غير قادر على خلق ذبابة، ولا حتّى ترويضها وتذليلها لخدمته، أمّا الله القادر المنّان فإنّه خلق ملايين الملايين من الحيوانات المختلفة، وذلّلها للإنسان لتكون في خدمته دوماً. 5- جملة (فمنها ركوبهم ومنها يأكلون)- مع الإلتفات إلى أنّ (ركوبهم) صفة مشبّهة بمعنى (مركوبهم)- إشارة إلى أنّ الإنسان ينتخب قسماً منها للركوب وقسماً آخر للتغذّي. وإن كان لحم أغلب الحيوانات المشهورة حلال بنظر الإسلام، إلاّ أنّ الإنسان إستفاد عمليّاً من بعضها فقط للتغذية، فمثلا لحم الحمير لا يستفاد منه إلاّ في الضرورة القصوى. ومن الواضح انّ ذلك إذا اعتبرنا "منها" في كلا الجملتين "للتبعيض الإفرادي"، أمّا لو اعتبرنا الاُولى "للتبعيض الافرادي" والثانية "للتبعيض الأجزائي" يكون معنى الآية (بعض الحيوانات تنتخب للركوب وينتخب جزء من أجسامها للتغذية (إذ أنّ العظام وأمثالها غير قابلة للأكل). 6- (لهم فيها منافع) إشارة إلى فوائد الحيوانات الكثيرة الاُخرى التي تتحقّق للإنسان، ومن جملتها الأصواف والأوبار التي تصنع منها مختلف الملابس والخيم والفرش، والجلود التي تصنع منها الحقائب والملابس والأحذية ووسائل اُخرى مختلفة، وحتّى في عصرنا الحاضر الذي تميّزت فيه الصناعات التقليدية من منتجات الطبيعة لا زال الإنسان في مسيس الحاجة إلى الحيوانات من حيث التغذية ومن حيث الفوائد الاُخرى كالألبسة ووسائل الحياة الاُخرى. وحتّى بعض أنواع الأمصال واللقاحات ضدّ الأمراض التي يستفاد فيها من دماء بعض الحيوانات، بل حتّى أنّ أتفه الأشياء الحيوانية وهي روثها أصبح ومنذ وقت طويل مورد إستفادة الإنسان لتسميد المزارع وتغذية النباتات المثمرة. 7- (مشارب) إشارة إلى الحليب الذي يؤخذ من تلك الدواب ويؤمّن مع منتجاته قسماً مهمّاً من المواد الغذائية للإنسان، بشكل أضحت فيه صناعة الحليب ومنتجاته تشكّل اليوم رقماً مهمّاً في صادرات وواردات الكثير من الدول، ذلك الحليب الذي يشكّل غذاء للإنسان، ويخرج من بين دم وفرث لبناً سائغاً يلتذّ به الشاربون، ويكون عاملا لتقوية الضعفاء. 8- جملة (أفلا يشكرون) جاءت بصيغة الإستفهام الإستنكاري، وتهدف إلى تحريك الفطرة والعواطف الإنسانية لشكر هذه النعم التي لا تحصى، والتي ورد جانب منها في الآيات أعلاه، وكما نعلم فإنّ "لزوم شكر المنعم" أساس لمعرفة الله، إذ أنّ الشكر لا يمكن أن يكون إلاّ بمعرفة المنعم، إضافةً إلى أنّ التأمّل في هذه النعم وإدراك أنّ الأصنام ليس لها أدنى تأثير أو دخل فيها، سيؤدّي إلى إبطال الشرك. لذا فإنّ الآية التالية، تنتقل إلى الحديث عن المشركين ووصف حالهم فتقول: (واتّخذوا من دون الله آلهة لعلّهم ينصرون). ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ كالجلود وما نبت عليها ﴿وَمَشَارِبُ﴾ من لبنها ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ الله المنعم بذلك.