لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير تتابع هذه الآية البحوث المختلفة حول المعاد والإشارات العميقة المعنى حول مسألة إمكان المعاد ورفع أي إستبعاد لذلك، والآية أعلاه شرح أوسع وأوضح حول هذه المسألة، تقول: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون) ويا له من تعبير رائع ذلك الذي كلّما دقّقنا فيه أفاض علينا معاني أعمق وأدقّ؟! وكما نعلم فإنّ الآيات القرآنية لها معان متعدّدة من أبعاد مختلفة- فبعض معانيها واضح للغالبية من الناس في كلّ زمان ومكان، وبعضها عميق يختّص بفهمه البعض، وأخيراً فإنّ بعضها الآخر يتمثّل فيه العمق الذي لا يستطيع سبر غوره إلاّ الخواص من العبّاد، وفي نفس الوقت فإنّ تلك المعاني لا تنافي بعضها البعض، بل إنّها تجمع كلّها في قالب واحد وفي آن واحد. والآية مورد البحث هكذا تماماً. التّفسير الأوّل الذي قال به الكثير من المفسّرين القدماء. وهو بسيط وواضح يمكن فهمه وإستيعابه من قبل الغالبية وهو: أنّ المراد هو شجر "المرخ والعفار" الذي كان العرب قديماً يأخذون منهما على خضرتهما، فيجعل العفار زنداً أسفل ويجعل المرخ زنداً أعلى، فيسحق الأعلى على الأسفل فتنقدح النار بإذن الله. وفي الواقع فهو يمثّل الكبريت في عصرنا الحالي. والله سبحانه وتعالى يريد القول بأنّ الذي يستطيع إشعال النار من هذا الشجر الأخضر له القدرة على إلباس الموتى لباس الحياة. فالماء والنار شيئان متضادّان، فمن يستطيع جعلهما معاً في مكان واحد، قادر على جعل الحياة والموت معاً في مكان واحد. فالذي يخلق (النار) في قلب (الماء) و (الماء) في قلب (النار) فمن المسلّم أنّ إحياء بدن الإنسان الميّت لا يشكّل بالنسبة له أدنى صعوبة. وإذا خطونا خطوة أبعد من هذا التّفسير فسوف نصل إلى تفسير أدقّ وهو: أنّ خاصيّة توليد النار بواسطة خشب الأشجار، لا تنحصر بخشب شجرتي "المرخ والعفار" بل إنّ هذه الخاصية موجودة في جميع الأشجار وجميع الأجسام الموجودة في هذا العالم وإن كان لشجرتي المرخ والعفار- لتوفّر خصائص فيها- إستعداد أكثر من غيرهما على هذا الأمر. خلاصة القول، إنّ جميع خشب الأشجار إذا حُكّ ببعضه بشكل متواصل فإنّه سيطلق شرر النار وحتّى (خشب الشجر الأخضر). لهذا السبب تقع في بعض الأحيان حرائق هائلة في بعض الغابات المليئة بالأشجار، لا يعرف لها سبب من قبل الإنسان، إلاّ أنّ هبوب الريح الشديدة التي تضرب أغصان الأشجار ببعضها بشدّة ممّا يؤدّي إلى إنقداح شرر منها يؤدّي إلى إشتعال النار فيها، وتساعد الريح الشديدة على سرعة إنتشارها، فالعامل الأصلي كان تلك الشرارة الناتجة عن الإحتكاك. هذا التّفسير الأوسع، هو الذي يوضّح عملية جمع الأضداد في الخلق. ويبسط مفهوم وجود (البقاء) في (الفناء) وبالعكس. لكن ثمّة تفسير ثالث يعتبر أعمق بكثير من التّفسيرين السابقين. والذي ظهر إلى الواقع نتيجة جهود العلماء في عصرنا الحاضر وقد اخترنا أن نطلق عليه تسمية "إنبعاث الطاقة". وتوضيح ذلك كما يلي: إنّ من أهمّ الوظائف التي تقوم بها النباتات هي عملية "التركيب الضوئي" والتي تعتمد أساساً على أخذ غاز "ثاني اُوكسيد الكربون" من الهواء، والإفادة منه بواسطة "المادّة الخضراء" أو ما يسمّى "بالكلورفيل" لصنع الغذاء بمساعدة الماء وضوء الشمس. ذلك الغذاء الذي يؤدّي إلى تكوّن حلقات السليلوز في النباتات من ذوات الفلقتين، ويكون ناتج عملية التركيب الضوئي الأوكسجين الذي يطلق في الهواء مرّة اُخرى. ولو نظرنا إلى العملية بطريقة اُخرى فإنّ النباتات تأخذ الغاز (ثاني أوكسيد الكاربون) وتجزّئه أثناء عملها لتحتفظ بالكاربون مركّباً مع غيره من الماء لتكوّن الخشب وتطلق الأوكسجين. والمهمّ هنا أنّ العلماء يقولون: بأنّ أيّة عملية تركيب كيمياوي تحتاج إلى طاقة ما لكي يتمّ ذلك التفاعل الكيمياوي، أو أنّ ذلك التفاعل يؤدّي إلى إطلاق طاقة كناتج عنه. وبناءً عليه فإنّ التفاعل الذي يتمّ نتيجة التركيب الضوئي إنّما يستفيد من الشمس كمصدر للطاقة لإتمام التفاعل. وعليه فالشجرة إنّما تقوم بإدّخار هذه الطاقة في الخشب الذي يتكوّن نتيجة لهذه العملية. وعندما نقوم نحن بحرق هذا الخشب فإنّنا إنّما نقوم بإطلاق عقال هذه الطاقة المدّخرة. وبذا فإنّنا نقوم بإعادة تركيب (الكاربون) مع (الأوكسجين) لينتج (ثاني أوكسيد الكاربون) الذي ينطلق في الهواء مرّة اُخرى، بالإضافة إلى بخار الماء. ولو تحدّثنا بلغة اُخرى لقلنا: إنّ تلك الحرارة الناجمة عن إشتعال الحطب في المواقد البيتية القروية أو مواقد الفحم التي نستعملها في بيوتنا أحياناً للتدفئة في فصل الشتاء، هي في الحقيقة حرارة ونور الشمس التي ادّخرت في خشب هذه الأشجار لسنوات، وما جمعته الشجرة على مدى عمرها من الشمس تعيده دفعةً واحدة بدون نقص. ويقال إنّ كلّ الطاقات في الكرة الأرضية تعود إلى الشمس أساساً، وواحد من مظاهره ما ذكرنا. وهنا وحيث بلغنا "إنبعاث الطاقات" نلاحظ أنّ النور والحرارة المبعثرة في الجو والتي تقوم الأشجار بجمعها في أخشابها لتنمو فإنّها لا تفنى أبداً. بل إنّها تتبدّل شكلا. وتختفي بعيداً عن أعيننا في كلّ ذرّة من ذرّات الخشب، وعندما نقوم بإيقاد النار بقطعة من الحطب، فإنّ إنبعاثها يبدأ، وجميع ما كان في ذرّات الخشب من النور والحرارة وطاقة الشمس، في تلك اللحظة- لحظة الحشر والنشر- تظهر من جديد. بدون أن ينقص منه حتّى بمقدار إضاءة شمعة واحدة (تأمّل بدقّة). لا شكّ أنّ هذا المعنى كان خافياً على عوام الناس حين نزول الآية، ولكن- كما قلنا- فإنّ هذا الموضوع لا يشكّل أدنى مشكلة، لأنّ آيات القرآن لها معان متعدّدة وعلى مستويات مختلفة، لإستعدادات متفاوتة، ففي يوم يفهم من الآية معنى، واليوم يفهم منها معنى أوسع، ويمكن أنّ الأجيال القادمة تفهم منها معنى أوسع وأعمق، وفي نفس الوقت فكلّ هذه المعاني صحيحة ومقبولة بشكل كامل ومجموعة كلّها في معنى الآية. مسألتان 1- شجر أخضر .. لماذا؟ يرد على الذهن أنّه لماذا عبّر القرآن هنا بالشجر الأخضر؟ في حين أنّ توليد النار من الخشب الطري والرطب يتمّ بصعوبة بالغة، فكم كان جميلا لو عبّر عوضاً عن ذلك "بالشجر اليابس"، لكي ينسجم مع المعنى تماماً!!؟ النكتة هنا هو أنّ الشجر الأخضر الحي فقط يستطيع القيام بعملية التركيب الضوئي، وإدّخار نور الشمس وحرارتها، وأمّا الجذوع اليابسة للشجر لو بقيت مئات السنين متعرّضة للشمس فإنّها لن تستطيع زيادة الذخيرة الموجودة فيها. وبناءاً عليه فإنّ (الشجر الأخضر) فقط يستطيع أن يصنع وقوداً لنا، ويمكنه الإحتفاظ وإدّخار الحرارة والنور وزيادتها بصورة محوّرة، ولكنّها بمحض جفافها، فإنّ عملية التركيب الضوئي تتوقّف، وتتعطّل معها عملية إدّخار الطاقة الشمسية. وبناءاً على هذا فإنّ التعبير أعلاه، يعتبر تجسيداً جميلا لعملية "إنبعاث الطاقات" ومعجزة علمية خالدة للقرآن الكريم!.. فضلا عن أنّنا إذا رجعنا إلى التّفسيرات الاُخرى التي أشرنا إليها سابقاً ، يبقى أيضاً التعبير بـ "الشجر الأخضر" جميلا ومناسباً، إذ أنّ الأشجار الخضراء عند إحتكاكها ببعضها البعض تولّد شرارة تستطيع أن تكون مبعث نار كبيرة، وهنا نقف إزاء عظمة قدرة الله في حفظه النار في قلب الماء، والماء في قلب النار(1). 2- الفرق بين الوَقُودْ والوُقُودْ: "توقدون" من "وُقُود"- على زنة قبور- بمعنى إشتعال النار- و "الإيقاد" بمعنى إشعال النار، و "الوَقُود"- على زنة ثمود- بمعنى الحطب المعدّ للإحراق. وعليه فإنّ جملة (فإذا أنتم منه توقدون) إشارة إلى الحطب الذي تشتعل فيه النار، لا ما تبدأ به النار بالإشتعال كالزناد أو عود الكبريت. وبناءاً عليه فإنّ القرآن الكريم يقول: "إنّ الله سبحانه وتعالى جعل لكم من الشجر الأخضر حطباً توقدونه، وهو القادر على إعادة الموتى إلى الحياة" وهذا التعبير ينسجم تماماً مع ما قلناه من "بعث الطاقات" "تأمّل بدقّة"!! وعلى كلّ حال، فإنّ مسألة إشعال النار في خشب الأشجار مع أنّها مسألة بسيطة في نظرنا، ولكن بقليل من الدقّة نعلم أنّها من أعجب المسائل، لأنّ المواد التي يتشكّل منها خشب الأشجار في أغلبها ماء وتراب، وكلاهما غير قابل للإشتعال، فما هي تلك القدرة التي خلقت من الماء والتراب والهواء- وهي مواد- طاقة لا زالت حياة البشر ومنذ آلاف السنين مرتبطة بها بقوّة؟! ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ﴾ المرخ والعفار أو كل شجر إلا العناب ﴿نَارًا﴾ يحك بعضه ببعض غصنين رطبين فتنقدح النار ﴿فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾ متى شئتم فمن قدر أن يودع النار في جسم رطب يقطر منه الماء المضاد لها فتستخرج منه عند الحاجة قادر على البعث.