التّفسير
هو المالك والحاكم على كلّ شيء !!
بعد ذكر دلائل المعاد والفات الأنظار إلى الخلق الأوّل، ونشوء النار من الشجر الأخضر في الآيات السابقة، تتابع الآية الاُولى هنا بحث ذلك الموضوع من طريق ثالث وهو قدرة الله اللامتناهية، فتقول الآية الاُولى: (أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم).
الجملة الاُولى بشروعها (بالإستفهام الإنكاري) تطرح سؤالا على الوجدان اليقظ والعقل السليم كالآتي: ألم تتطلّعوا إلى تلك السماء المترامية العظيمة بكلّ ثوابتها وسيّاراتها العجيبة، وبكلّ تلك المنظومات والمجرّات التي تشكّل كلّ زاوية منها دنيا واسعة هائلة؟ فالذي هو قادر على خلق كلّ هذه العوالم الخارقة في العظمة والمتناهية التنظيم والدقّة في قوانينها، كيف لا يكون قادراً على إحياء الموتى؟
ولكون الجواب على هذا السؤال واضحاً، وكامناً في كلّ قلب وروح، فإنّ الآية لا تنتظر الجواب، إنّما تردف مضيّفة "بلى" وتتابع مؤكّدة على صفتين لله سبحانه وتعالى- الخالقية والعلم المطلق- وذلك في حقيقته دليل على الكلام المتقدّم، فإذا كنتم تشكّون في قدرته على الخلق فهو "الخلاّق" (وهي صيغة مبالغة).
وإذا كان جمع هذه الذرّات يحتاج إلى علم أو معرفة فهو "العليم" المطلق.
أمّا على ماذا يعود الضمير في "مثلهم" فقد احتمل المفسّرون إحتمالات عديدة، ولكن أشهرها هو القول بعودة الضمير على "البشر" والمعنى: إنّ خالق السماء والأرض قادر على خلق مثل البشر.
وهنا يأتي السؤال التالي وهو لماذا لم يقل: قادر على أن يخلقهم من جديد، بل قال: (قادر على أن يخلق مثلهم)؟
وللإجابة على هذا السؤال ذكرت أجوبة كثيرة، يبدو أقربها: أنّ بدن الإنسان عندما يتحوّل- أو بالأحرى يتحلّل- إلى تراب، فإنّه يفقد الصورة النهائية التي كان عليها، وفي يوم القيامة عندما يعاد خلق هذا الإنسان من جديد، فإنّه سيخلق من نفس المواد ولكن بصورة جديدة تشبه الصورة القديمة، بلحاظ أنّ عودة نفس الصورة القديمة- بالأخصّ إذا أخذنا في الإعتبار قيد الزمن- غير ممكن، وخصوصاً إذا علمنا- مثلا- أنّ الإنسان لا يحشر بجميع المواصفات والكيفية التي كان عليها سابقاً، فإنّ الشيبة والشيوخ- مثلا- يحشرون شبّاناً، والمعلولين يحشرون سالمين، وهكذا.
وبتعبير آخر، فإنّ بدن الإنسان كالطابوق الطيني غير المفخور- اللبن- الذي يمرّ عليه الزمان فيتهدّم ويصبح تراباً، ثمّ يجمع من جديد وتصنع منه خميرة الطين ويوضع في قالب مرّة اُخرى ويصنع لَبِناً جديداً مرّة اُخرى. فهذا "اللَبِن" هو من جانب نفس "اللَبِن" القديم ومن جانب آخر "مثله" "مادّته هي نفس المادّة والصورة مثل الصورة السابقة" "دقّق النظر"(1).
﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ مع عظمهما ﴿بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم﴾ في الصغر أي يعيدهم ﴿بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ بكل شيء.