لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
والهدف هو الإنذار وإتمام الحجّة: (لينذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين)(3). نعم، هذه الآيات "ذكر" ووسيلة تنبيه، هذه الآيات "قرآن مبين" يوضّح الحقّ بلا أدنى تغطية أو غمط، بل بقاطعية وصراحة، ولذا فهو عامل إنتباه وحياة وبقاء. مرّة اُخرى نرى القرآن الكريم يجعل (الإيمان) هو (الحياة) و (المؤمنين) هم (الأحياء) و (الكفّار) هم "الموتى"، ففي جانب يذكر عنوان "حيّاً" وفي الطرف المقابل عنوان "الكافرون"، فهذه هي الحياة والموت المعنوي اللذان هما أعلى بمراتب من الموت والحياة الظاهريين. وآثارهما أوسع وأشمل، فإذا كانت الحياة والمعيشة بمعنى "التنفّس" و "أكل الطعام" و "الحركة"، فإنّ هذه الأعمال كلّها تقوم بها الحيوانات، فهذه ليست حياةً إنسانية، الحياة الإنسانية هي تفتّح أزهار العقل والفهم والملكات الرقيقة في روح الإنسان، وكذلك التقوى والإيثار والتضحية والتحكّم بالنفس، والتحلّي بالفضيلة والأخلاق، والقرآن ينمي هذه الحياة في وجود الإنسان. والخلاصة: أنّ الناس ينقسمون حيال دعوة القرآن الكريم إلى مجموعتين: مجموعة حيّة يقظة تلبّي تلك الدعوة، وتلتفت إلى إنذاراتها، ومجموعة من الكفّار ذوي القلوب الميتة، الذين لا تؤمل منهم أيّة إستجابة أبداً، ولكن هذه الإنذارات سبب في إتمام الحجّة عليهم، وتحقّق أمر العذاب بحقّهم. بحث حياة وموت القلوب: في الإنسان أنواع من الحياة والموت: الأوّل: الحياة والموت النباتي الذي مظهره النمو والرشد والتغذية والتوالد، وهو في هذا الشأن يشابه جميع النباتات. الثاني: الحياة والموت الحيواني. وأبرز مظاهرها "الإحساس" و "الحركة"، وهو مشترك في هاتين الصفتين مع جميع الحيوانات. أمّا النوع الثالث من الحياة الخاصّ بالإنسان فقط، فهو (الحياة الإنسانية والروحية). وهو ما قصدته الروايات بقولها "حياة القلوب". حيث أنّ المقصود بالقلب هنا "الروح والعقل والعواطف" الإنسانية. ففي حديث أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام حول القرآن يقول: "وتعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث، وتفقّهوا فيه فإنّه ربيع القلوب"(4). وفي حديث آخر له عليه أفضل الصلاة والسلام يقول عن الحكمة والتعلّم: "واعلموا أنّه ليس من شيء إلاّ ويكاد صاحبه يشبع منه ويملّه إلاّ الحياة، فإنّه لا يجد في الموت راحة، وإنّما ذلك بمنزلة الحكمة التي هي حياة للقلب الميّت وبصر للعين العمياء"(5). وقال عليه الصلاة والسلام: "ألا وإنّ من البلاء الفاقة، وأشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب، ألا وإنّ من صحّة البدن تقوى القلوب"(6). ويقول عليه الصلاة والسلام: "ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه"(7). ومن جهة اُخرى فإنّ القرآن الكريم يشخّص للإنسان نوعاً خاصّاً من الإبصار والسماع والإدراك والشعور، غير النظر والسماع والشعور الظاهري، ففي الآية (171) من سورة البقرة نقرأ: (صم بكم عمي فهم لا يعقلون). وفي موضع آخر يقول تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).(8) كذلك يقول سبحانه: (ثمّ قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة).(9) وحول مجموعة من الكافرين يعبّر تعبيراً خاصاً فيقول تعالى: (اُولئك الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم).(10) وفي موضع أخر يقول تعالى: (إنّما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثمّ إليه ترجعون).(11) من مجموع هذه التعبيرات وتعبيرات كثيرة اُخرى شبيهة لها يظهر بوضوح أنّ القرآن يعدّ محور الحياة والموت، هو ذلك المحور الإنساني والعقلاني، إذ أنّ قيمة الإنسان تكمن في هذا المحور. وفي الحقيقة فإنّ الحياة والإدراك والإبصار والسماع وأمثالها، تتلخّص في هذا القسم من وجود الإنسان، وإن اعتبر بعض المفسّرين هذه التعبيرات مجازية، إذ أنّ ذلك لا ينسجم مع روح القرآن هنا، لأنّ الحقيقة في نظر القرآن هي هذه التي يذكرها، والحياة والموت الحيوانيان هما المجازيان لا غير. إنّ أسباب الموت والحياة الروحية كثيرة جدّاً، ولكن القدر المسلّم به هو أنّ النفاق والكبر والغرور والعصبية والجهل والكبائر، كلّها تميت القلب، ففي مناجاة التائبين التي تروى عن الإمام السجّاد (ع) في الصحيفة السجادية ورد "وأمات قلبي عظيم جنايتي". والآيات مورد البحث تأكيد على هذه الحقيقة. فهل أنّ من يرضى من حياته فقط بأن يعيش غير عالم بشيء في هذه الدنيا، ويجري دائماً مدار العيش الرغيد الرتيب، لا يعبأ بظلامة المظلوم، ولا يلبّي نداء الحقّ، يفكّر في نفسه فقط، ويعتبر نفسه غريباً حتّى عن أقرب الأقرباء، هل يعتبر مثل هذا إنساناً حيّاً؟ وهل هي حياة تلك التي تكون حصيلتها كميّة من الغذاء المصروف، وإبلاء بعض الألبسة، والنوم والإستيقاظ المكرور؟ وإذا كانت تلك هي الحياة فما هو فرقها عن حياة الحيوان؟ إذاً يجب أن نقرّ ونعترف بأنّ وراء هذه الحياة الظاهرية يكمن عقل وحقيقة أكّد عليها القرآن وتحدّث عنها. الجميل أنّ القرآن يعتبر الموتى الذين كان لموتهم آثار الحياة الإنسانية أحياءاً، ولكن الأحياء الذين ليس فيهم أي من آثار الحياة الإنسانية فانّهم في منطق القرآن الكريم أموات أذلاّء. ﴿لِيُنذِرَ﴾ القرآن أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿مَن كَانَ حَيًّا﴾ متعقلا لا غافلا كالميت أو مؤمنا فإنه المنتفع بالإنذار ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ﴾ بالعذاب ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ قوبل بهم الحي لأنهم في عداد الموتى.