ولذا فإنّ الله سبحانه وتعالى يجيبه في الآية التي تليها بالقول: (ونجّيناه وأهله من الكرب العظيم)(4).
فما هو هذا الغمّ الذي وصفته الآية المباركة بأنّه غمّ كبير آلم نوحاً بشدّة؟
يمكن أن يكون ذلك الغمّ نتيجة إستهزاء قومه الكافرين المغرورين به، وتجريحهم إيّاه بكلمات نابية وساخرة تستهدف إهانته وأتباعه المؤمنين، أو نتيجة تكذيب قومه اللجوجين إيّاه، إذ كانوا يقولون له أحياناً: (وما نراك اتّبعك إلاّ الذين هم أراذلنا).(5)
وأحياناً اُخرى يقولون له: (يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين).(6)
أو يسخرون منه (ويضع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه).(7)
وقد وصل إزعاجهم لنبي الله نوح- المعروف بصبره الكبير- وإساءتهم الأدب إتّجاهه وإتّهامه بالجنون إلى درجة لا تطاق، بحيث دعا نوح ربّه بالقول: (ربّ انصرني بما كذّبون).(8)
وعلى أيّة حال، فإنّ مجموع هذه الحوادث السيّئة وأذاهم له كان يحزّ في قلبه الطاهر بشدّة حتّى لحظة وقوع الطوفان، إذ أنقذه الله سبحانه وتعالى من قبضة قومه الطغاة، وأزال عنه الكرب العظيم والغمّ الشديد.
واحتمل بعض المفسّرين أنّ المراد من (الكرب العظيم) هو الطوفان الذي لم ينج منه سوى نوح وأتباعه المؤمنين، ولكن هذا المعنى مستبعد.
﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ الغرق أو أذى قومه.