بعد ذلك شمر عن ساعديه، فأمسك الفأس وانقضّ على تلك الأصنام بالضرب بكلّ ما لديه من قوّة (فراغ عليهم ضرباً باليمين).
والمراد من (اليمين) إمّا يد الإنسان اليمنى، والتي ينجز الإنسان بها معظم أعماله، أو أنّها كناية عن القدرة والقوّة، ويمكن أن تجمع بين المعنيين.
على أيّة حال، فإنّ إنقضاض إبراهيم (ع) على الأصنام، حوّل معبد الأصنام المنظّم إلى خربة موحشة، حيث لم يبق صنم على حالته الاُولى، فالأيدي والأرجل المحطّمة تفرّقت هنا وهناك داخل المعبد، وكم كان منظر المعبد بالنسبة لعبدة الأصنام مؤثّراً ومؤسفاً ومؤلماً في نفس الوقت.
وبعد إنتهائه من تحطيم الأصنام، غادر إبراهيم- بكلّ هدوء وإطمئنان- معبد الأصنام عائداً إلى بيته ليعدّ نفسه للحوادث المقبلة، لأنّه كان يعلم أنّ عمله كان بمثابة إنفجار هائل سيهزّ المدينة برمّتها ومملكة بابل بأجمعها، وسيحدث موجة من الغضب العارم، الموجة التي سيكون إبراهيم (ع) وحيداً في وسطها. إلاّ أنّ له ربّاً يحميه، وهذا يكفيه.
وفي آخر اليوم عاد عبدة الأصنام إلى مدينتهم، واتّجهوا فوراً إلى معبدهم، فشاهدوا مشهداً رهيباً وغامضاً، ومن شدّه رهبة المشهد تجمّد البعض في مكانه، فيما فقد البعض الآخر عقله وهو ينظر بدهشة وتحيّر لجذاذ آلهته المنتشرة هنا وهناك، تلك الأصنام التي خالوها ملجأً وملاذاً لهم يوم لا ملجأ لهم، أصبحت بلا ناصر ولا معين.
ثمّ تحوّل جوّ السكوت الذي خيّم عليهم لحظة مشاهدة المشهد، تحوّل إلى صراخ وإستفسار عمّن فعل ذلك بآلهتهم؟
ولم يمرّ وقت طويلا، حتّى تذكّروا وجود شاب يعبد الله في مدينتهم إسمه إبراهيم، كان يستهزىء بأصنامهم، ويهدّد بأنّه أعدّ مخطّطاً خطيراً لأصنامهم.
﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ باليد اليمنى لأنها أقوى أو بالقوة