التّفسير
قلوب في الجهل مغمورة!:
بما أنّ خصال المؤمنين هي سبب القيام بالأعمال الخيّرة التي أشارت إليها الآيات السابقة، فهنا يثار هذا التساؤل بأنّ هذه الخصال والقيام بهذه الأعمال لا تتيسّر لكلّ أحد.
فتجيب أوّل آية - من الآيات موضع البحث - عن ذلك فتقول: (ولا نكلّف نفساً إلاّ وسعها).
وكلّ إنسان يكلّف حسب عقله وطاقته.
وهذه إشارة إلى أنّ الواجبات الشرعيّة هي في حدود طاقة الإنسان.
وأنّها تسقط عنه إذا تجاوزت هذه الحدود، وكما يقول علماء اُصول الفقه: إنّ هذه القاعدة حاكمة على جميع الواجبات الشرعيّة ومقدّمة عليها.
وقد يُسأل: كيف يُحاسب كلّ البشر على أعمالهم كلّها صغيرها وكبيرها؟
فتجيب الآية (ولدينا كتاب ينطق بالحقّ وهم لا يظلمون) فهناك صحيفة أعمال الإنسان المحفوظة لدى الله العلي القدير.
وهي تنطق بالحقّ عمّا إقترفه الإنسان من ذنوب، فلا يمكنه إنكارها(1).
وربّما كان القصد من الكتاب الذي لدى الله هو اللوح المحفوظ.
ولفظ "لدينا" يؤكّد هذا التّفسير.
والخلاصة أنّ الآية المذكورة آنفاً تؤكّد حفظ الأعمال على أهلها من خير أو شرٍّ، فهي مسجّلة بدقّة، والإيمان بهذه الحقيقة يشجّع الصالحين على القيام بأعمال الخير، وإجتناب الأعمال السيّئة.
وتعبير (ينطق بالحقّ) الذي وصف صحيفة أعمال البشر تشبه القول: إنّ الرسالة الفلانية ذات تعبير واضح، أي: لا يحتاج إلى شرح.
وكأنّها ناطقة بذاتها، فهي تُجلّي الحقيقة.
وعبارة (وهم لا يظلمون) تبيّن أنّه لا ظلم ولا جور ولا غفلة يوم الحساب، فكلّ شيء في سجلٍّ معلوم.
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ والوسع دون الطاقة ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ﴾ اللوح أو صحيفة الأعمال ﴿يَنطِقُ بِالْحَقِّ﴾ بالصدق فيما كتب فيه من أعمالها ﴿وَهُمْ﴾ أي النفوس ﴿لَا يُظْلَمُونَ﴾ بنقص ثواب أو زيادة عقاب.