لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآيات- هنا- عكست أوّل طلب لإبراهيم (ع) من الباري عزّوجلّ، إذ طلب الولد الصالح، الولد الذي يتمكّن من مواصلة خطّه الرسالي، ويتمم ما تبقّى من مسيرته، وذلك حينما قال: (ربّ هب لي من الصالحين). إنّها حقّاً لعبارة جميلة (الولد الصالح واللائق) الصالح من حيث الإعتقاد والإيمان، والصالح من حيث القول والعمل، والصالح من جميع الجهات. والذي يلفت النظر أنّ إبراهيم (ع) كان قد طلب من الله في إحدى المرّات أن يجعله من مجموعة الصالحين، كما نقل القرآن ذلك عن إبراهيم، (ربّ هب لي حكماً والحقني بالصالحين).(2) فيما طلب من الله هنا أن يمنحه الولد الصالح، حيث أنّ كلمة صالح تجمع كلّ الأشياء اللائقة والجيّدة في الإنسان الكامل. فاستجاب الله لدعاء عبده إبراهيم، ورزقه أولاداً صالحين (إسماعيل وإسحاق) وذلك ما وضحته الآيات التالية في هذه السورة (وبشّرناه بإسحاق نبيّاً من الصالحين). وبخصوص إسماعيل يقول القرآن الكريم: (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلّ من الصابرين. وأدخلناهم في رحمتنا إنّهم من الصالحين).(3) بحثان 1- خالق كلّ شيء: وردت في آيات بحثنا أنّ إبراهيم (ع) خاطب عبدة الأصنام قائلا: (والله خلقكم وما تعملون). وقد زعم البعض أنّ هذه الآيات تدلّ على ما جاء في مذهب الجبر الفاسد، وذلك عندما اعتبروا (ما) في عبارة (ما تعملون) (ما) المصدرية، وقالوا: إنّ هذه الآية تعني أنّ الله خلقكم وأعمالكم، وبما أنّ أعمالنا هي من خلق الله، فإنّنا لا نمتلك الإختيار، أي إنّنا مجبرون. هذا الكلام لا أساس له من الصحّة لعدّة أسباب: أوّلا: كما قلنا فإنّ المراد من (ما تعملون) هنا، هي الأصنام التي كانوا يصنعونها بأيديهم، وليست أعمال الإنسان، ومن دون أي شكّ فإنّهم كانوا يأخذون المواد من هذه الأرض التي خلقها الله، وينحتونها بالشكل الذي يروق لهم، ولهذا فإنّ (ما) هنا هي (ما) الموصولة. ثانياً: إذا كان مفهوم الآية كما تصوّر اُولئك، فإنّها تكون دليلا لصالح عبدة الأصنام، وليس ضدّهم، لأنّهم يستطيعون القول: صناعة الأصنام وعبادتها إنّما هو من خلق الله، ونحن في هذه الحالة لسنا بمذنبين. وثالثاً: على فرض أنّ معنى الآية هو هكذا، فليس هناك دليل على الجبر، لأنّه مع الحرية والإرادة والإختيار فإنّ الله هو خالق أعمالنا، لأنّ هذه الحرية والإرادة والقدرة على التصميم وكذلك القوى البدنية والفكرية الماديّة والمعنوية لم يعطها غير الله؟ إذاً فالخالق هو، مع أنّ الفعل هو بإختيارنا نحن. 2- هجرة إبراهيم (ع): الكثير من الأنبياء هاجروا خلال فترة حياتهم من أجل أداء رسالتهم، ومنهم إبراهيم الذي إستعرضت آيات مختلفة في القرآن المجيد قضيّة هجرته، ومنها ما جاء في سورة العنكبوت الآية (26) (وقال إنّي مهاجر إلى ربّي إنّه هو العزيز الحكيم). في الحقيقة، إنّ أولياء الله عندما كانوا يتّمون مهام رسالتهم في إحدى المناطق، أو أنّهم كانوا يحسّون بأنّ المجتمع لا يتقبّل رسالتهم، كانوا يهاجرون كي لا تتوقّف رسالتهم. وهذه الهجرة كانت مصدر بركات كثيرة على طول تاريخ الأديان، حتّى أنّ تاريخ الإسلام من الناحيتين الظاهرية والمعنوية يدور حول محور هجرة الرّسول (ص)، ولولا الهجرة لكان الإسلام قد غرق- وإلى الأبد- في مستنقع عبدة الأصنام في مكّة. فالهجرة هي التي أعطت روحاً جديدة للإسلام والمسلمين، وغيّرت كلّ شيء لصالحهم، وخطت للبشرية طريقاً جديداً للسير عليه. وبعبارة واحدة: فالهجرة برنامج عام لكلّ مؤمن عندما يشعر في وقت من الأوقات أنّ الجو الذي يعيش فيه غير متناسب مع أهدافه المقدّسة، ويبدو كأنّه مستنقع عفن يفسد كلّ ما فيه، فتكليفه الهجرة، وعليه أن يحزم حقائب السفر، وينتقل إلى مناطق أفضل، فأرض الله واسعة. والهجرة قبل أن تكون ذات طابع ذاتي خارجي، فهي ذات طابع ذاتي داخلي، ففي بداية الأمر يجب على القلب والروح هجر الفساد إلى الطهارة، وهجر الشرك إلى الإيمان، وهجر المعاصي إلى طاعة الله العظيم. فالهجرة الداخلية هي بداية تغيّر الفرد والمجتمع، ومقدّمة للهجرة الخارجية، وقد بحث هذا الموضوع بصورة مفصّلة في هذا التّفسير وفي موضوع يتحدّث عن الإسلام والهجرة، وذلك بعد الآية (100) في سورة النساء. ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ إلى ما فيه صلاحي في الدارين قال ﴿رَبِّ هَبْ لِي﴾ ولدا ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.