التّفسير
التهم القبيحة:
بعد إستعراض ستّ قصص من قصص الأنبياء السابقين، وإستخلاص الدروس التربوية منها، يغيّر القرآن موضوع الحديث، ويتناول موضوعاً آخر يرتبط بمشركي مكّة آنذاك، ويستعرض لنا أنماطاً مختلفة من شركهم ويحاكمهم بشدّة، ثمّ يدحض بالأدلّة القاطعة أفكارهم الخرافية.
والقضيّة هي أنّ مجموعة من المشركين العرب وبسبب جهلهم وسطحيّة تفكيرهم كانوا يقيسون الله عزّوجلّ بأنفسهم، ويقولون: إنّ لله عزّوجلّ أولاداً، وأحياناً يقولون: إنّ له زوجة.
قبائل (جهينة) و (سليم) و (خزاعة) و (بني مليح) كانوا يعتقدون أنّ الملائكة هي بنات الله عزّوجلّ، ومجموعة اُخرى من المشركين كانت تعتقد أنّ (الجنّ) هم أولاد الله عزّوجلّ، فيما قال البعض الآخر: إنّ (الجنّ) هم زوجات الله عزّوجلّ.
الأوهام الخرافية هذه، كانت السبب الرئيسي لإنحرافهم عن طريق الحقّ بصورة زالت معها كلّ آثار التوحيد والإعتقاد بوحدانية الله سبحانه وتعالى من قلوبهم.
وقد ورد في أحد الأحاديث أنّ النمل يتصوّر أنّ لخالقه قرنين إثنين مثلما هي تمتلك.
نعم، العقل الناقص للإنسان يدفعه إلى المقارنة، المقارنة بين الخالق والمخلوق، وهذه المقارنة من أسوأ الأسباب التي تؤدّي بالإنسان إلى الضلال عن معرفة الله.
على أيّة حال، فالقرآن الكريم يردّ على الذين يتصوّرون أنّ الملائكة هي بنات الله بثلاث طرق، أحدها تجريبي، والآخر عقلي، والثالث نقلي، وفي البداية يقول، اسألهم هل أنّ الله تعالى خصّ نفسه بالبنات، وخصّهم بالبنين، (فاستفتهم ألربّك البنات ولهم البنون).
وكيف تنسبون ما لا تقبلون به لأنفسكم إلى الله، حيث أنّهم طبق عقائدهم الباطلة كانوا يكرهون البنات بشدّة ويحبّون الأولاد كثيراً، فالأولاد كان لهم دوراً مؤثّراً خلال الحرب والإغارة على بقيّة القبائل، في حين أنّ البنات عاجزات عن تقديم مثل هذه المساعدة.
ومن دون أي شكّ فإنّ الولد والبنت من حيث وجهة النظر الإنسانية، ومن حيث التقييم عند الله سبحانه وتعالى متساوون، وميزان شخصيتهم هو التقوى والطهارة، وإستدلال القرآن هنا إنّما يأتي من باب (ذكر مسلّمات الخصم) ومن ثمّ ردّها عليه. وشبيه هذا المعنى ورد في سور اُخرى من سور القرآن، ومنها ما جاء في الآية (21 و22) من سورة النجم (ألكم الذكر وله الاُنثى. تلك إذاً قسمة ضيزى)!.
﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ سل قومك توبيخا ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ﴾ إذ قالوا: الملائكة بنات الله ﴿وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ تلك إذا قسمة ضيزى.