لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(وإنّ جندنا لهم الغالبون)، إنّها لعبارة واضحة وصريحة، وإنّه لوعد يقوّي الروح ويبعث على الأمل. نعم، فإنتصار جيوش الحقّ على الباطل، وغلبة جند الله، وتقديم الله سبحانه وتعالى العون لعباده المرسلين والمخلصين، هي وعود مسلّم بها وسنن قطعيّة، وذلك ما أكّدته الآية المذكورة أعلاه بعنوان (سبقت كلمتنا) أي إنّ هذا الوعد وهذه السنّة كانت موجودة منذ البداية. نظائر كثيرة لهذا الموضوع وردت في آيات عديدة اُخرى من آيات القرآن المجيد، إذ جاء في الآية (47) من سورة الروم (وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين). وفي الآية (40) من سورة الحجّ (ولينصرنّ الله من ينصره). وفي الآية (51) من سورة غافر (إنّنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد). وأخيراً في الآية (21) من سورة المجادلة (كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي). وبديهي أنّ الله قادر على كلّ شيء، وليس بمخلف للوعود، ولم يكن يوماً ما ليخلف وعده، وقادر على أن يفي بهذا الوعد الكبير، كما أنزل في السابق نصره على المؤمنين به. الوعد الإلهي من أهمّ الاُمور التي ينتظرها السائرون في طريق الحقّ بإشتياق، حيث يستمدّون منه القوى الروحية والمعنوية، ويسترفدون منه نشاطاً جديداً كلّما أحسّوا بالكلل، فتسري دماء جديدة في شرايينهم. سؤال مهمّ: وهنا يطرح السؤال التالي، وهو: إن كانت مشيئة الباري عزّوجلّ وإرادته تقضي بتقديم يد العون للأنبياء ونصرة المؤمنين، فلِمَ نشاهد إستشهاد الأنبياء على طول تأريخ الحوادث البشرية، وإنهزام المؤمنين في بعض الأحيان؟ فإن كانت هذه سنّة إلهيّة لا تقبل الخطأ، فلِمَ هذه الإستثناءات؟ ونجيب على هذا السؤال بالقول: أوّلا: إنّ الإنتصار له معان واسعة، ولا يعطي في كلّ الأحيان معنى الإنتصار الظاهري والجسماني على العدو، فأحياناً يعني إنتصار المبدأ، وهذا هو أهمّ إنتصار، فلو فرضنا أنّ رسول الله (ص) كان قد استشهد في إحدى الغزوات، وشريعته عمّت العالم كلّه، فهل يمكن أن نعبّر عن هذه الشهادة بالهزيمة. وهناك مثال أوضح وهو الحسين (ع) وأصحابه الكرام حيث استشهدوا على أرض كربلاء، وكان هدفهم العمل على فضح بني اُميّة، الذين ادّعوا أنّهم خلفاء الرّسول، وكانوا في حقيقة الأمر يعملون ويسعون إلى إعادة المجتمع الإسلامي إلى عصر الجاهلية، وقد تحقّق هذا الهدف الكبير، وأدّى إستشهادهم إلى توعية المسلمين إزاء خطر بني اُميّة وإنقاذ الإسلام من خطر السقوط والضياع، فهل يمكن هنا القول بأنّ الحسين (ع) وأصحابه الكرام خسروا المعركة في كربلاء؟ المهمّ هنا أنّ الأنبياء وجنود الله- أي المؤمنون- تمكّنوا من نشر أهدافهم في الدنيا واتّبعهم اُناس كثيرون، وما زالوا يواصلون نشر مبادئهم وأفكارهم رغم الجهود المستمرّة والمنسقّة لأعداء الحقّ ضدّهم. وهناك نوع آخر من الإنتصار، وهو الإنتصار المرحلي على العدو، والذي قد يتحقّق بعد قرون من بدء الصراع، فأحياناً يدخل جيل معركة ما ولا يحقّق فيها أي إنتصار، فتأتي الأجيال من بعده وتواصل القتال فتنتصر، كالإنتصار الذي حقّقه المسلمون في النهاية على الصليبيين في المعارك التي دامت قرابة القرنين، وهذا النصر يحسب لجميع المسلمين. ثانياً: يجب أن لا ننسى أنّ وعد الله سبحانه وتعالى بنصر المؤمنين وعد مشروط وليس بمطلق، وأنّ الكثير من الأخطاء مصدرها عدم التوجّه إلى هذه الحقيقة، وكلمات (عبادنا) و (جندنا) التي وردت في آيات بحثنا، وغيرها من العبارات والكلمات المشابهة في هذا المجال في القرآن الكريم كعبارة (حزب الله) و (الذين جاهدوا فينا) و (لينصرنّ الله من ينصره) وأمثالها، توضّح بسهولة شروط النصر. نحن لا نريد أن نكون مؤمنين ولا مجاهدين ولا جنوداً مخلصين، ونريد أن ننتصر على أعداء الحقّ والعدالة ونحن على هذه الحالة! نحن نريد أن نتقدّم إلى الإمام في مسيرنا إلى الله ولكن بأفكار شيطانية، ثمّ نعجب من إنتصار الأعداء علينا، فهل وفينا نحن بوعدنا حتّى نطلب من الله سبحانه وتعالى الوفاء بوعوده. في معركة اُحد وعد الرّسول الأكرم (ص) المسلمين بالنصر، وقد إنتصروا فعلا في المرحلة الاُولى من المعركة، إلاّ أنّ مخالفة البعض لأوامر الرّسول وتركهم لمواقعهم لهثاً وراء الغنائم، وسعي البعض الآخر لبثّ الفُرقة والنفاق في صفوف المقاتلين، أدّى بهم إلى الفشل في الحفاظ على النصر الذي حقّقوه في المرحلة الاُولى، وهذا ما أدّى إلى خسرانهم المعركة في نهاية الأمر. وبعد إنتهاء المعركة جاءت مجموعة إلى رسول الله (ص)، وخاطبته بلهجة خاصّة: ماذا عن الوعد بالنصر والغلبة، فأجابهم القرآن الكريم بصورة لطيفة يمكنها أن تكون شاهداً لحديثنا، وهي قوله تعالى في سورة آل عمران الآية (152): (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسّونهم بإذنه حتّى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبّون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثمّ صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين). عبارات (فشلتم) و (تنازعتم) و (عصيتم) التي وردت في الآية المذكورة أعلاه، وضّحت بصورة جيّدة أنّ المسلمين في يوم اُحد تخلّوا عن شروط النصر الإلهي، لذا فشلوا في الوصول إلى أهدافهم. نعم، فالباري عزّوجلّ لم يعد كلّ من يدّعي الإسلام وانّه من جند الله وحزب الله بأن ينصره دائماً على أعدائه. الوعد الإلهي مقطوع لمن يرجو من أعماق قلبه وروحه رضى الله سبحانه وتعالى، ويسير في النهج الذي وضعه الله، ويتحلّى بالتقوى والأمانة. ولقد تقدّم نظير لهذا السؤال فيما يخصّ (الدعاء) و (الوعد الإلهي بالإستجابة) وتطرّقنا للإجابة عليه فيما مضى(1). ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ عاجلا وآجلا