وأخيراً إختتمت السورة بآية تحمد الله (والحمد لله ربّ العالمين).
الآيات الثلاث الأخيرة يمكن أن تكون إشارة وإستعراضاً مختصراً لكلّ القضايا والاُمور الموجودة في هذه السورة، لأنّ الجزء الأكبر منها كان بشأن التوحيد والجهاد ضدّ مختلف أنواع الشرك، فالآية الاُولى تعيد ما جاء بشأن تسبيح وتنزيه الله عزّوجلّ عن الصفات التي وصف بها من قبل المشركين، والقسم الآخر من السورة يبيّن جوانب من أوضاع سبع أنبياء كبار أشارت إليها هنا الآية الثانية.
والآية الثالثة إستعرضت جزءاً آخر من النعم الإلهية، وبالخصوص أنواع النعم الموجودة في الجنّة، وإنتصار جند الله على جنود الكفر، والحمد والثناء الذي جاء في الآية الأخيرة، فيه إشارة لكلّ تلك الاُمور.
المفسّرون الآخرون ذكروا تحليلات اُخرى بخصوص الآيات الثلاث الواردة في آخر هذه السورة، وقالوا: إنّ من أهمّ واجبات الإنسان العاقل معرفة أحوال ثلاثة:
الاُولى: معرفة الله تعالى بالمقدار الممكن للبشر، وآخر ما يستطيعه الإنسان في هذا المجال هو ثلاثة اُمور: تنزيهه وتقديسه عن كلّ ما لا يليق بصفات الاُلوهية، والتي وضّحتها لفظة (سبحان).
ووصفه بكلّ ما يليق بصفات الاُلوهية والكمال، وكلمة (ربّ) إشارة دالّة على حكمته ورحمته ومالكيّته لكلّ الأشياء وتربيته للموجودات.
وكونه منزّهاً في الاُلوهية عن الشريك والنظير، والتي جاءت في عبارة (عمّا يصفون).
والقضيّة الثانية المهمّة في حياة الإنسان هي تكميل الإنسان لنواقصه، والذي لا يمكن أن يتمّ دون وجود الأنبياء (ع)، وجملة (سلام على المرسلين) إشارة إلى هذه القضيّة.
والقضيّة الثالثة المهمّة في حياة الإنسان هي أن يعرف أنّه كيف يكون حاله بعد الموت؟ والإنتباه إلى نعم ربّ العالمين ومقام غناه ورحمته ولطفه يعطي للإنسان نوعاً من الإطمئنان (والحمد لله ربّ العالمين)(1).
ملاحظة
التفكّر في نهاية كلّ عمل:
جاء في روايات عديدة عن أئمّة أهل البيت (ع) "من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى (من الأجر يوم القيامة) فليكن آخر كلامه في مجلسه: سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين"(2).
نعم، فلنختتم مجالسنا بتنزيه ذات الله، وإرسال السلام والتحيّات إلى رسله، وحمد وشكر الله على نعمه، كي تمحى الأعمال غير الصالحة أو الكلمات المحرّمة التي جاءت في ذلك المجلس.
وقد جاء في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، أنّ أحد علماء الشام حضر عند الإمام الباقر (ع)، فقال: جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحداً يفسّرها لي، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس، فقال كلّ صنف غير ما قال الآخر.
فقال أبو جعفر (ع): "وما ذلك"؟
فقال: أسألك ما أوّل ما خلق الله عزّوجلّ من خلقه؟ فإنّ بعض من سألته قال:
القدرة. وقال بعضهم: العلم. وقال بعضهم: الروح؟
فقال أبو جعفر (ع): "ما قالوا شيئاً، أخبرك أنّ الله علا ذكره كان ولا شيء غيره، وكان عزيزاً ولا عزّ، لأنّه كان قبل عزّه، وذلك قوله تعالى: (سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون)(3) وكان خالقاً ولا مخلوق" والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (وهو إشارة إلى انّ ما قاله لك اُولئك النفر لا يخلو من شرك وهو مشمول لهذه الآية، فإنّ الله عزّوجلّ كان قادراً وعالماً وعزيزاً منذ الأزل).
آمين ياربّ العالمين
نهاية سورة الصافات
﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على ما أنعم.