ثمّ إِن لله سبحانه أكّد ما مرّ بقوله: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين ييتبعون الشّهوات أن تميلوا مي عظيماً) أي أنّ الله يريد بتشريع هذه الأحكام لكم أن يعيد عليكم نعمه التي قطعت ومنعت عنكم بسبب ذنوبكم، وارتكابكم للشّهوات، ولكن الذين يريدون الإِنسياق وراء الشّهوات الغارقين في الآثام والذنوب يريدون لكم أن تنحرفوا عن طريق السعادة، إِنّهم يريدون أن تسايروهم يفي اتّباع الشّهوات وأن تنغمسوا في الآثار انغماساً كام، فهل ترون - والحال هذه - إِنّ هذه القيود والحدود الكفيلة بضمان سعادتكم وخيركم ومصلحتكم أفضل لكم، أو الحرية المنفلتة المقرونة بالإِنحطاط الخلقي، والفساد والسقوط؟
إِنّ هذه الآيات في الحقيقة تجيب على تساؤل أُولئك الأفراد الذين يعيشون في عصرنا الحاضر أيضاً والذين يعترضون على القيود والحدود المفروضة في مجال القضايا الجنسية، وتقول لهم: إنّ الحريات المطلقة المنفلتة ليست أكثر من سراب، وهي لا تنتج سوى الإِنحراف الكبير عن مسير السعادة والتكامل الإِنساني، وكما توجب التورط في المتاهات والمجاهل، وتستلزم العواقب الشريرة التي يتجسد بعضها في ما نراه بأُم أعيننا من تبعثر العوائل، ووقوع أنواع الجريمة الجنسية البشعة، وظهور الأمراض التناسلية والآلام الروحية والنفسية المقيتة، ونشوء الأولاد غير الشرعيين حيث يكثر فيهم المجرمون القساة الجناة.
﴿وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ كرر للتأكيد وليبني عليه ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ لمبطلون أو الزناة أو اليهود أو المجوس فإنهم يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت ﴿أَن تَمِيلُواْ﴾ عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات أو إحلال المحرمات ﴿مَيْلاً عَظِيمًا﴾ إذ لا ميل أعظم من ذلك.