الآية الأخيرة في بحثنا جاءت بمثابة تحقير لاُولئك المغرورين السفهاء، قال تعالى: (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب)(2) فهؤلاء جنود قلائل مهزومين ..
"هنالك" إشارة للبعيد، وبسبب وجودها في الآية، فقد إعتبر بعض المفسّرين أنّها إشارة إلى هزيمة المشركين في معركة بدر، التي دارت رحاها في منطقة بعيدة بعض الشيء عن مكّة المكرّمة.
وإستخدام كلمة (الأحزاب) هنا إشارة حسب الظاهر إلى كلّ المجموعات التي وقفت ضدّ رسل الله، والذين أبادهم الباري عزّوجلّ، ومجتمع مكّة المشرك هو مجموعة صغيرة من تلك المجموعات، والذي سيبتلى بما ابتلوا به (الشاهد على هذا الحديث هو ما سيرد في الآيات القادمة التي تتطرّق لهذه المسألة).
ولا ننسى أنّ هذه السورة من السور المكيّة، ونزلت في وقت كان فيه عدد المسلمين قليلا جدّاً، بحيث كان من اليسير على المشركين أن يبيدوهم بسهولة، قال تعالى: (تخافون أن يتخطّفكم الناس).(3)
وفي ذلك اليوم لم تكن هنالك أيّة دلائل توضّح إمكانية إنتصار المسلمين، حيث لم تكن المعارك قد وقعت، ولا الإنتصارات في بدر والأحزاب وحنين قد تحقّقت.
ولكن القرآن قال بحزم إنّ هؤلاء الأعداء- الذين هم مجموعة صغيرة- سيهزمون في نهاية المطاف.
واليوم يبشّر القرآن الكريم مسلمي العالم المحاصرين من كلّ الجهات من قبل القوى المعتدية والظالمة بنفس البشائر التي بشّر بها المسلمين قبل (1400) عام، في أنّ الله سبحانه وتعالى سينجز وعده في هزيمة جند الأحزاب، إن تمسّك مسلمو اليوم بعهودهم تجاه الله كما تمسّك بها المسلمون الأوائل.
﴿جُندٌ مَّا﴾ هم جند حقير فما مزيدة للتحقير ﴿هُنَالِكَ﴾ يوم بدر أو الخندق أو الفتح ﴿مَهْزُومٌ﴾ عما قريب ﴿مِّنَ الْأَحْزَابِ﴾ من جملة الكفار المتحزبين على الرسل وأنت غالبهم فلا تبال.