كذلك أقوام ثمود ولوط وأصحاب الأيكة- أي قوم شعيب- كانت هي الاُخرى قد كذّبت رسلهم (وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة اُولئك الأحزاب)(1).
نعم، هذه هي ستّة مجاميع من أحزاب الجهل وعبادة الأصنام، التي عملت ضدّ أنبياء الله، ورفضت قبول ما جاؤوا به من عند الله.
فقوم نوح واجهوا هذا النّبي العظيم.
وقوم عاد واجهوا نبيّ الله "هود".
وفرعون وقف ضدّ "موسى وهارون".
وقوم ثمود وقفوا بوجه "صالح".
وقوم لوط وقفوا بوجه نبي الله "لوط".
وأصحاب الأيكة واجهوا نبي الله "شعيب".
إذ كذّبوا وآذوا أنبياء الله والمؤمنين وبذلوا في ذلك قصارى جهودهم، ولكن في نهاية الأمر نزل عليهم العذاب الإلهي وجعلهم كعصف مأكول.
فقوم نوح اُبيدوا بالطوفان وسيول الأمطار.
وقوم عاد اُبيدوا بالأعاصير الشديدة.
وفرعون وأتباعه اُغرقوا في نهر النيل.
وقوم ثمود اُهلكوا بالصيحة السماوية.
وقوم لوط بالزلزلة الرهيبة المقترنة بأمطار الحجارة السماوية.
وقوم شعيب اُبيدوا بالصاعقة المهلكة التي نزلت عليهم من السحب الكثيفة التي غطّت سماء المنطقة، وبهذا الشكل فإنّ (الماء) و (الهواء) و (التراب) و (النار) التي تشكّل اُسس حياة الإنسان، كانت السبب في موت وإبادة تلك الأقوام الطائشة والعاصية، وجعلهم في طي النسيان، حيث لم يبق لهم أيّ أثر. فعلى مشركي مكّة أن يدركوا بأنّهم لا يعدّون سوى مجموعة صغيرة بالنسبة إلى تلك الأقوام، فلِمَ لا يصحون من غفلتهم.
وصف (فرعون) بـ (ذي الأوتاد) أي (صاحب الأوتاد القويّة) في الآيات المذكورة أعلاه، وفي الآية (10) من سورة الفجر، كناية عن قوّة حكم فرعون والفراعنة وثباته، وتستعمل هذه الكناية بكثرة، فيقال: الشخص الفلاني أوتاده ثابتة، أو إنّ أوتاد هذا العمل ثابتة، أو إنّها مثبتة بأربعة أوتاد، وذلك لأنّ الأوتاد دائماً تستخدم لتثبيت أركان الخيمة.
والبعض إعتبرها إشارة إلى كثرة جيوش فرعون السائرة في الأرض وكثرة أوتاد خيامهم.
والبعض الآخر قال: إنّها إشارة إلى التعذيب الوحشي الذي كان الفراعنة يعذّبون به معارضيهم، إذ كانوا يربطون الأشخاص بأربعة أوتاد على الأرض أو على الخشبة أو على الحائط، وكانوا يثبتون وتدين في الرجلين، ووتدين آخرين في اليدين ويتركون الشخص يتعذّب حتّى يموت.
وأخيراً، احتمل البعض أنّ الأوتاد تعني الأهرامات الموجودة في أرض مصر، والتي تقوم في الأرض كالأوتاد، ولأنّ الفراعنة هم الذين بنوا الأهرامات، فإنّ هذا الوصف ينحصر بهم فقط.
على أيّة حال فإنّه لا يوجد أيّ إختلاف بين تلك الإحتمالات، ومن الممكن جمعها لتعطي مفهوم هذه الكلمة.
أمّا (الأيكة) فإنّها تعني الشجرة، و (أصحاب الأيكة) هم قوم نبي الله "شعيب" الذين كانوا يعيشون في منطقة خضراء بين الحجاز والشام، وقد تمّ التطرّق إليها بصورة موسّعة في تفسير الآية (78) في سورة الحجرات.
﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ﴾ الغيضة وهم قوم شعيب ﴿أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ﴾ المتحزبون على الرسل.