لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
والآن نستعرض تفاسير اُخرى لمجموعة من المفسّرين بشأن هذه الآيات وأشهرها، ذلك التّفسير الذي يعود بالضمير في جملتي (توارت) و (ردّوها) إلى (الشمس) التي لم ترد في تلك الآيات، ولكنّهم استدلّوا عليها من كلمة (العشي) (التي تعني آخر النهار بعد الزوال) الموجودة في آيات بحثنا. وبهذا الشكل فإنّ الآيات تعطي المفهوم التالي، إنّ سليمان كان غارقاً في مشاهدة الخيل والشمس قد غربت واستترت خلف حجاب الاُفق، فغضب سليمان كثيراً لأنّه لم يكن قد صلّى صلاة العصر، فنادى ملائكة الله، ودعاها إلى ردّ الشمس، فإستجابت له الملائكة وردّتها إليه، أي رجعت فوق الاُفق، فتوضّأ سليمان (المراد بمسح السوق والأعناق هو أداء الوضوء الذي كان حينذاك يعمل به وفق سنّة سليمان، وبالطبع فإنّ كلمة (المسح) تأتي أحياناً في لغة العرب بمعنى الغسل) ثمّ صلّى. البعض ممّن ليس لديهم الإطلاع الكافي تحدّثوا بأكثر من هذا، ونسبوا اُموراً سيّئة ومحرّمة اُخرى إلى هذا النّبي الكبير، عندما قالوا: إنّ المقصود من جملة (طفق مسحاً بالسوق والأعناق) هو أنّه أمر بضرب سوق وأعناق الخيل بالسيف، أو أنّه نفّذ هذا الأمر بشخصه، لأنّها شغلته عن ذكر الله والصلاة. طبيعي أنّ بطلان التّفسير الأخير لا يخفى على أحد، لأنّ الخيول لا ذنب لها كي يقتلها سليمان بحدّ السيف، فإن كان هناك ذنب فقد إرتكبه هو، لأنّه كان غارقاً في مشاهدة خيله، ونسي صلاته. وأحياناً فإنّ قتل الخيل إسراف إضافةً إلى كونه جريمة، فكيف يمكن أن يصدر مثل هذا العمل المحرّم من نبي، أمّا الروايات التي وردت من المصادر الإسلامية بشأن هذه الآية فإنّها تنفي- بشدّة- هذه التهمة الموجّهة إلى سليمان (ع). أمّا التفاسير السابقة التي قالت بنسيان سليمان وغفلته عن أداء صلاة العصر، فهي موضع السؤال التالي، هل يمكن لنبي معصوم أن ينسى واجباً مكلّفاً به؟ رغم أنّ إستعراضه للخيول كان واجباً آخر مكلّفاً به، إلاّ إذا كانت الصلاة- كما قال البعض- صلاة مندوبة أو مستحبّة، ونسيانها لا يسبّب أيّة مشاكل، ولكن إن كانت صلاة نافلة فلا ضرورة إذن لردّ الشمس. إذا إنتهينا من هذا، فهناك إشكالات اُخرى وردت بشأن هذا التّفسير. 1- كلمة (الشمس) لم تأت بصورة صريحة في الآيات، في حين أنّ الخيل (الصافنات الجياد) جاء ذكرها صريحاً، ونرى من المناسب أن نعود بالضمير على شيء صرّحت به الآيات. 2- عبارة (عن ذكر ربّي) ظاهرها يعني أنّ حبّ هذه الخيل إنّما هو ناشيء من ذكر وطاعة أمر الله، في حين- طبقاً للتفسير الأخير- تعطي كلمة (عن) معنى (على) ويكون معنى العبارة، إنّي آثرت حبّ الخيل على حبّ ربّي، وهذا المعنى مخالف لظاهر الآية. 3- الأعجب من كلّ ذلك هي عبارة (ردّوها عليّ) التي تحمل صفة الأمر، فهل يمكن أن يخاطب سليمان الباري عزّوجلّ أو ملائكته بصيغة الأمر، أن ردّوا عليّ الشمس، كما يخاطب عبيده أو خدمه. 4- قضيّة ردّ الشمس، رغم أنّها في مقابل قدرة الباري عزّوجلّ تعدّ أمراً يسيراً، إلاّ أنّها تواجه بعض الإشكالات بحيث جعلتها أمراً لا يمكن قبوله من دون توفّر أدلّة واضحة عليها. 5- الآيات المذكورة أعلاه تبدأ بمدح وتمجيد سليمان، في حين أنّ التّفسير الأخير لها يعطي معنى الذمّ والتحقير. 6- إذا كانت الصلاة المتروكة واجبة، فتعليلها يعدّ أمراً صعباً، أمّا إذا كانت نافلة فلا داعي لردّ الشمس. السؤال الوحيد المتبقّي هنا، هو أنّ هذا التّفسير ورد في عدّة روايات في مصادر الحديث، وإذا دقّقنا جيّداً في إسناد هذه الأحاديث، يتّضح لنا أنّها جميعاً تفتقد السند الموثوق المعتبر، وأنّ أكثر هذه الروايات موضوعة. أليس من الأفضل صرف النظر عن تلك الروايات غير الموثوقة، وإرجاع علمها إلى أصحابها، وتقبّل كلّ ما يبيّنه ظاهر الآيات بذهنية صافية ومتفتّحة، لنريح أنفسنا من عناء الإشكالات الفارغة؟ ﴿رُدُّوهَا﴾ أي الشمس ﴿عَلَيَّ﴾ أيها الملائكة الموكلون بها فردت فصلى كما ردت ليوشع وعلي (عليهما السلام) ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ جعل يمسح سوقها وأعناقها بيده حبابها وقيل مسحها بالسيف أي ذبحها وتصدق بلحمها وقيل وسم سوقها وأعناقها فجعلها في سبيل الله.