وهنا إستجوب الباريء عزّوجلّ إبليس: (قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) من البديهي أنّ عبارة (يدي) لا تعني الأيدي الحقيقيّة المحسوسة، لأنّ الباريء عزّوجلّ منزّه عن كافّة أشكال الجسم والتجسيم، وإنّما "اليد" هنا كناية عن القدرة، ومن الطبيعي أنّ الإنسان يستعمل يديه ليظهر قدرته على إنجاز العمل، وكثيراً ما تستخدم اليد بهذا المعنى في محادثاتنا اليومية، إذ يقال: إنّ البلد الفلاني بيد المجموعة الفلانية، أو إنّ المسجد الفلاني بني على يد الشخص الفلاني، وأحياناً يقال: إنّ يدي قصيرة، أو إنّ يدك مملوءة، اليد في كلّ تلك الجمل ليس المقصود منها اليد الحقيقية التي هي أحد أعضاء الجسم، بل كناية عن القدرة والسلطة والتمكّن.
ومن هنا فإنّ الإنسان ينفّذ أعماله المهمّة بكلتا يديه، وإستخدامه كلتا يديه يبيّن إهتمامه وتعلّقه بذلك العمل، ومجيء هذه العبارة في الآية المذكورة أعلاه إنّما هو كناية عن الإهتمام الخاصّ الذي أولاه الباريء عزّوجلّ لعملية خلق الإنسان.
ثمّ تضيف الآية: (استكبرت أم كنت من العالين) أي أكان عدم سجودك لأنّك استكبرت، أم كنت من الذين يعلو قدرهم عن أن يؤمروا بالسجود؟!
ومن دون أي شكّ فإنّه لا أحد يستطيع أن يدّعي أنّ قدرته ومنزلته أكبر من أن يسجد لله (أو لآدم بأمر من الله) وبهذا فإنّ الإحتمال الوحيد المتبّقي هو الثاني، أي التكبّر.
وقال بعض المفسّرين: إنّ كلمة (عالين) تعني- هنا- الأشخاص الذين يسيرون دوماً في طريق الغرور والتكبّر، وطبقاً لهذا فإنّ معنى الآية يكون: هل أنّك إستكبرت الآن، أم كنت دائماً هكذا؟!
ولكن المعنى الأوّل أنسب.
﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ بنفسي بلا توسط سبب والتنبيه تشعر بمزيد العناية بخلقه ﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ طلبت الكبر من غير استحقاق ﴿أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ المستحقين للتفوق.