التّفسير
ما حاجة الله إلى الأولاد؟
المشركون إضافة إلى أنّهم يعتبرون الأصنام وسيطاً وشفيعاً لهم عند الله، كما استعرضت ذلك الآيات السابقة، فقد اعتقدوا - أيضاً - أن بعض المخلوقات - كالملائكة - هي بنات الله، والآية الأولى في بحثنا تجيب على هذا الإعتقاد الخاطىء والتصور القبيح بالقول: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار).
ذكر المفسرون آراء مختلفة في تفسير هذه الآية:
قال البعض: يقصد منها لو أنّ الله كان راغباً في انتخاب ولد له، فلِمَ ينتخب
البنات اللاتي تزعمون أنّهنّ لا قيمة لهنّ؟ فلم لا ينتخب له أبناء؟ وهذا - في الحقيقة - نوع من أنواع الإستدلال وفق ذهنية الطرف المقابل كي يفهم أن كلامه لا أساس له من الصحة.
وقال آخر: إنّما يقصد منها لو أنّ الله كان راغباً في انتخاب ولد له، لكان قد خلق موجودات اُخرى أفضل وأرفى من الملائكة.
وبالنظر إلى كون مكانة الأنثى لا تقلّ عن مكانة الذكر عند الباريء عزّوجلّ،وبالنظر إلى كون الملائكة أو عيسى ع - والذين اعتبرهم بعض المنحرفين أبناء الله - من الموجودات الشريفة والمحترمة، فإنّه لا يعدّ أيّ من التّفسيرين السابقين مناسباً.
والأفضل هو القول بأنّ الآية تريد القول: إنّ الابن مطلوب إمّا لتقديم العون أو لمؤانسة الروح، وبفرض المحال فإنّ الله عزّوجلّ لو كان محتاجاً لمثل هذا الأمر، لا صطفى لهذا بعضاً ممّن يشاء من أشرف خلقه، فلم يتخذ ولداً؟
ولكن لكونه الواحد الذي لا نظير له والقاهر والغالب لكل شيء والأزلي والأبدي، فإنّه لا يحتاج إلى مساعدة أيّ أحد، ولا يستوحش من وحدانيته حتى يزيلها عن طريق الأُنس مع الآخرين، لهذا فهو منزّه ومقدّس عن الولد، حقيقياً كان أو منتخباً.
وإضافة إلى ما ذكرناه من قبل، فإنّ أُولئك الجهلة الذين يتصورون أحياناً أن الملائكة هم أبناء الله، وأحياناً اُخرى يقولون بوجود نسبة بين الباري، عزّوجلّ والجن، وأحياناً يقولون بأن (المسيح) أو (العزير) هم أبناء الله، يجهلون الكثير من الحقائق الواضحه، فإن كان قصدهم هو الولد الحقيقي:
فأولاً: يجب أن يكون الباري تعالى جسماً.
ثانياً: التركيب من أجزاء (لأنّ الوالد جزء من الأب ينفصل عن وجود أبيه).
ثالثاً: حتمية وجود شبيه ونظير له (لأنّ الأولاد على الدوام يشبهون الآباء).
رابعاً: احتياجه لزوجة، والله منزّه ومقدّس عن كلّ تلك الأُمور.
وإن كان المقصود هو الولد المنتخب أي (المتبنىّ) فإن ذلك إنّما يتمّ لأجل احتياجه لمساعدة جسدية أو لمؤانسة روحية، والله القادر القاهر لا يحتاج إلى كلّ هذه الأمور. وبهذا فإنّ وصفه بـ (الواحد) و(القهار) هو جواب مختصر على كلّ تلك الإحتمالات.
على أية حال، فإنّ عبارة (لو) التي تستخدم عادة للشرط المستحيل إشارة إلى أن هذا الفرض محال في أن ينتخب الباريء عزّوجلّ ولداً له، وبفرض المحال أنّه يحتاج، فإنّه غير محتاج لما يقولونه من اتخاد الولد، بل إن مخلوقاته المنتخبة هي التي تؤمن هذا الأمر.
﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ كما زعموا ﴿لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ لا ما شاء الناس ونسبوه إليه ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ ليس له في الأشياء شبه.