ولكون رسول الله (ص) كان يرغب - بشدّة - في هداية المشركين والضالين، و كان يتألّم كثيراً لإنحراف أُولئك الذين لم يعطوا آذاناً صاغبة للحقائق، فأنّ الأية التالية عمدت الى مواساته بعد أن وضحت له حقيقة أنّ عالمنا هذا هو عالم الحرية والإمتحان، و مجموعة من الناس - في نهاية الأمرـ يجب أن تدخل جهنم، إذ قالت: (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار)(4).
عبارة (حقت عليه كلمة العذاب) إشارة إلى آيات مشابهة، كالآية (85) من سورة ص التي تقول بشأن الشياطين وأتباعهم: (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين).
ومن البديهي أنّ حتمية تعذيب هذه المجموعة لا تحمل أيّ طابع إجباري، بل إنّهم يعذبون بسبب الأعمال التي ارتكبوها، ونتيجة إصرارهم على ارتكاب الظلم والذنب والفساد، بشكل يوضح أنّ روح الإيمان والتعقل كانت ميّتة في أعماقهم، وأنّ وجودهم كان قطعة من جهنم لا أكثر.
من هنا يتبيّن أنّ قوله تعالى: (أفأنت تنقذ من في النّار) هو إشارة الى حقيقة أنّ كونهم من أصحاب النّار يعد أمراً مسلماً به وكأنّهم الآن هم في قلب جهنم، حتّى أنّ رسول الله (ص) الذي هو (رحمة للعالمين) لا يستطيع إنقاذهم من العذاب، لأنّهم قطعوا كافّة طرق الإتصال بالله سبحانه وتعالى ولم يبقوا أيّ سبيل لنجاتهم.
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ وهو قوله لأملأن جهنم ﴿أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ﴾ جواب الشرط وأقيم فيه الظاهر مقام الضمير وكررت الهمزة لتكرير الإنكار لإنقاذ من حق عليه العذاب لأنه كالواقع في النار