ثمّ لتوضح أنّ الحياة والموت وكلّ شؤون الإنسان هي بيدالله سبحانه وتعالى، قالت الآية: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)(2).
وبهذا الشكل فإن (النوم) يعد شقيق (الموت) لكن بأحد أشكاله الضعيفة، أي (أشكال الموت)، لأن العلاقة بين الروح والجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء النوم، وتقطع الكثير من العلاقات والوشائج بينهما.
وتضيف الآية (فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأُخرى إلى أجل مسمى) نعم (إنّ ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أُمور:
1 - إنّ الإنسان عبارة عن روح وجسد، والروح هي جوهر غير مادي، يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور والحياة.
2 - عند الموت يقطع الله العلاقة بين الروح والجسد، ويذهب بالروح إلى عالم الأرواح، وعند النوم يخرج الباريء عزّوجلّ الروح والجسد، ولكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة. ووفقاً لهذا فإنّ الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد، وهي: إرتباط كامل (حالة الحياة واليقظة) وإرتباط ناقص (حالة النوم) وقطع الإرتباط بصورة كاملة (حالة الموت).
3 - النوم هو أحد الصور الضعيفة (للموت)، و (الموت) هو نموذج كامل (للنوم).
4 - النوم هو أحد دلائل استقلال وأصالة الروح، خاصة عندما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر.
5 - إنّ العلاقة التي تربط بين الروح والجسد تضعف أثناء النوم، وأحياناً تقطع تماماً ممّا يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد، أي موته.
6 - إنّ الإنسان عندما ينام في كلّ ليلة يشعر وكأنّه وصل إلى أعتاب الموت، وهذا الشعور بحد ذاته درساً يمكن الاعتبار منه، وهو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته.
7 - كلّ هذه الأُمور تجري بقدرة الباريء عزّوجلّ، وإن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أنّ ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح، فهذا لا يعني سوى أنّه ينفّذ أوامر الباريء عزّوجلّ.
وعلى أية حال، فإنّ المراد من قوله تعالى: (إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)هو إثبات دلائل قدرة الباريء عزّوجلّ، ومسألة الخلق، والمعاد، وضعف وعجز الإنسان مقابل إرادة الله عزّوجلّ.
﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ يقبضها بقطع تعلقها عنها في الجملة لا بالكلية ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ﴾ ولا يردها إلى البدن ﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى﴾ النائمة إلى بدنها فتستيقظ ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ هو وقت موتها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَآيَاتٍ﴾ على قدرته وحكمته ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في هذا التدبير العجيب فيعلمون أن من تفرد به منزه عن الشريك قادر على البعث