التّفسير
الذين يخافون من اسم الله!
مرّة اُخرى يدور الحديث عن التوحيد والشرك، إذ عكست الآية الأولى إحدى الصور القبيحة والمشوهة للمشركين ولمنكري المعاد من خلال تعاملهم مع التوحيد، قال تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)(1).
فأحياناً يستحسن الإنسان القبائح ويستقبح الحسنات بحيث ينزعج إذا سمع اسم الحق ويستبشر إذا سمع اسم الباطل لا يسجد ولا يركع أمام عظمة الله جلّ وعلا خالق الكون، إلاّ أنّه يسجد و يركع تعظيماً لأصنام صنعها من الحجارة والخشب أو لإنسان أو كائنات مثله.
ونظير هذا المعنى ورد في الآية (46) من سورة الإسراء، قال تعالى: (وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً).
وفي سورة نوح الآية (السابعة) عندما شكى نبيّ الله نوح(ع) ممن يفكر بمثل هذا التفكير المنحرف إلى الله سبحانه وتعالى (وإنّي كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذاتهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً).
نعم، هذا هو حال المتعصبين اللجوجين والجهلة المغرورين.
من هذه الآية يتضح بصورة جيدة أنّ مصدر شقاء هذه المجموعة أمران: الأوّل: إنكارهم لأساس التوحيد، والثّاني: عدم إيمانهم بالآخرة.
وفي المقابل نرى المؤمنين لدى سماعهم اسم الله ينجذبون إليه بدرجة أنّهم على استعداد لبذل كلّ ما لديهم في سبيله، فاسم حبيبهم يحلّي أفواههم ويعطّر أنفاسهم ويضيء قلوبهم، كما أن سماع أي شيء يرتبط ويتعلق بالله يبعث السرور والبهجة في قلوبهم.
نعود إلى المشركين مرّة اُخرى لنقول: إن الصفة القبيحة التي ذكرناها في بداية البحث بشأن المشركين، لا تخصّ مشركي عصر الرّسول الأكرم (ص) وإنّما في عصر وزمان هناك منحرفون ذوو قلوب مظلمة يفرحون ويستبشرون فور سماعهم أسماء أعداء الله وأصحاب المذاهب الإلحادية، وسماعهم نبأ انتصار الظلم والطغيان، أمّا سماع أسماء الطيبين والطاهرين ومناهجهم وانتصاراتهم فإنّه يسبب لهم آلاماً مبرحة، بعض الرّوايات فسّرت الآية على أنّها تعني أُولئك الذين ينزعجون من سماع فضائل أهل بيت النبوّة الأطهار(عليهم السلام) أو من يتبع نهجهم(2).
﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ﴾ دون آلهتهم ﴿اشْمَأَزَّتْ﴾ نفرت وانقبضت ﴿قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ أي الأصنام ﴿إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ تمتلىء قلوبهم سرورا حتى تنبسط بشرتهم.