أمّا الآية التالية فقد تطرقت (توحيد الله في المالكية) لتكمل بحث التوحيد الذي ورد في الآيات السابقة، إذ تقول: (له مقاليد السماوات و الأرض).
"مقاليد": كما يقول أغلب اللغوين، جمع (مقليد) (مع أن الزمخشري يقول في الكشاف: إن هذه الكلمة ليس لها مفرد من لفظها) و (مقليد) و (إقليد) كلاهما تعني المفتاح، وعلى حدّ قول صاحب كتاب (لسان العرب) وآخرين غيره فإن كلمة (مقليد) مأخوذة من (كليد) الفارسية الأصل، ومن العربية تستعمل بنفس المعنى، ولذا فإن (مقاليد السماوات والأرض) تعني مفاتيح السماوات والأرض.
هذه العبارة تستخدم ككناية عن امتلاك شيء ما أو التسلط عليه كأنّ يقول أحد: مفتاح هذا العمل بيد فلان. لذا فإنّ الآية المذكورة أعلاه يمكن أن تشير إلى (وحدانية الله في الملك) وفي نفس الوقت تشير إلى وحدانيته في التدبير والربوبية والحاكمية على هذا العالم الكوني.
ولهذا السبب أوردت الآية المذكورة بمثابة استنتاج (والذين كفروا بآيات الله أُولئك هم الخاسرون).
لأنّهم تركوا المصدر الرئيسي والمنبع الحقيقي لكل الخيرات والبركات وتاهوا في صحاري الضلال عندما أعرضوا بوجوههم عن مالك مفاتيح السماوات والأرض، وتوجهوا نحو موجودات عاجزة تماماً عن تقديم أدنى عمل لهم.
وقد ورد في حديث عن أمير المؤمنين(ع) أنّه طلب من رسول الله(ص)توضيح معنى كلمة (مقاليد) فقال رسول الله(ص): "يا علي، لقد سئلت عن عظيم المقاليد، هو أن تقول عشراً إذا أصبحت، وعشراً اذا أمسيت، لا إله الاّ الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله واستغفر الله ولا قوة إلا بالله (هو) الأوّل والآخر والظاهر والباطن له الملك وله الحمد (يحيي و يميت) بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير"(7).
ثم أضاف: "من قالها عشراً إذا أصبح، وعشراً إذا أمسى، أعطاه الله خصالا ستاً... أوّلها يحرسه من الشيطان وجنوده فلا يكون لهم عليه سلطان".
أمّا من ردد هذه الكلمات بصورة سطحية فإنّه - حتماًـ لا يستحق كل، هذه المكافآت، فيجب الإيمان بمحتواها والتخلق بها.
هذا الحديث يمكن أن يشير إلى أسماء الله الحسنى التي هي أصل الحاكمية والمالكية لهذا العالم الكوني.
﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مفاتيح خزائنها من المطر والنبات وجميع الخيرات ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.