التّفسير
يوم تبلغ القلوب الحناجر:
هذه الآيات تستمر - كالآيات السابقة - في وصف القيامة - يوم التلاقي - وتحدّد سبع خصائص للقيامة والحوادث المهولة والمدهشة التي تدفع بكل انسان مؤمن نحو التفكير والتأمل بالحياة والمصير.
يقول تعالى: (وأنذرهم يوم الآزفة).
"الآزفة" باللغة بمعنى (القريب) ويا لها من كناية عجيبة، حيث أطلق سبحانه على يوم القيامة يوم الآزفة كي لا يظن الجهلة أن هناك فترة طويلة تفصلهم عن ذلك اليوم، فلا ينبغي - والحال هذه - أن ينشغل المرء بالتفكير به!
وإذا نظرنا بتأمّل فسنجد أنّ عمر الدنيا بأجمعه لا يعادل سوى لحظة زائلة حيال يوم القيامة، ولأنّ الله تبارك وتعالى لم يذكر أىّ تأريخ لهذا اليوم المهول، حتى للأنبياء(عليهم السلام)، لذا يجب الإستعداد دائماً لاستقبال ذلك اليوم.
الوصف الثّاني ليوم الأزقة هو: (إذ القلوب لدى الحناجر) من شدة الخوف. فعندما تواجه الإنسان الصعويات يشعر وكأنّ قلبه يفر من مكانه، وكأنّهُ يريد أن يخرج من حنجرته، والعرب في ثقافتها اللغوية التي نزل بها القرآن تطلق على هَذِهِ الحالة وصف "بلغت القلوب الحناجر".
ويمكن أن يكون (القلب) كناية عن (الروح) بمعنى أنّ روحه بلغت حنجرته هلعاً وخوفاً، كأنما تريد أن تفارق بدنه تدريجياً ولم يبق منها سوى القليل.
إنّ هول الخوف من الحساب الإلهي الرباني الدقيق، والخشية من الإفتضاح وانكشاف الستر والحجب أمام جميع الخلائق، وتحمّل العذاب الأليم الذي لا يمكن الخلاص منه، كلّ هذه أُمور سيواجهها الإنسان ولا يمكن وصفها وشرحها بأي بيان.
الصفة الثّالثة لذلك اليوم تعبر عنها الآية: بـ ( كاظمين) أي إنّ الهم والغم سيشمل كل وجودهم، إلاّ أنّهم لا يستطيعون إظهار ذلك أو إبداءه.
"كاظم" مشتقّة من "كظم" وهي في الأصل تعني غلق فوهة القربة المملوءة بالماء; ثمّ أطلقت بعد ذلك على الأشخاص المملوئين غضباً إلاّ أنّهم لا يظهرونه لسبب من الأسباب.
قد يستطيع الإنسان المغموم المحزون أن يهدأ او يستريح بالصراخ، لكن المصيبة حينما لا يستطيع هذا الإنسان حتى عن الصراخ ... فماذا ينفع الصراخ في محضر الخالق جلّ وعلا وفي ساحة عدله وعندما تنكشف جميع الأسرار امام جميع الخلائق.
الصفة الرّابعة ليوم التلاقي هو يوم: (ما للظالمين من حميم). أي صديق نعم، أنّ تلك المجموعة من الأصدقاء الكذابين التي تحيط بالشخص كذباً وتملقاً - كما يحيط الذباب بالحلويات - طمعاً في مقامه وقدرته وجاهه وماله. إنّ هؤلاء في هذا اليوم مشغولون بأنفسهم لا ينفعون أحداً... وهو يوم لا تنفع فيه لا صداقة ولا خلّة.
الصفة الخامسة تقول عنها الآية: (ولا شفيع يطاع).
ذلك أنّ شفاعة الشفعاء الحقيقيين كالأنبياء والأولياء إنّما تكون بإذن الله تعالى، وعلى هذا الأساس لا مجال لتلك التصورات السقيمة لعبدة الأصنام، الذين كانوا يعتقدون في الحياة الدنيا أنّ أصنامهم ستشفع لهم في حضرة الله جلّ وعلا.
﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ الدانية أي القيامة إذ كل ءات قريب ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ ترتفع وتلتصق بها من الخوف ﴿كَاظِمِينَ﴾ ممتلئين غما ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾ قريب محب ﴿وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ أي لا شفاعة ولا إجابة.