التّفسير
عجز المتكبرين عن الادارك الصحيح!
هذا المقطع من الآيات الكريمة يستمر في عرض كلام مؤمن آل فرعون، ومن خلال نظرة فاحصة في سياق الآيات، يظهر أنّ مؤمن آل فرعون طرح كلامه في خمسة مقاطع، كلّ منها اكتسى بلون من المخاطبة، و شكل من الدليل، الذي يستهدف النفوذ إلى قلب فرعون والمحيطين به، بغية محو الصدأ وآثار الكفر السوداء منها كي تذعن لله ورسالاته و أنبيائه، وتترك التكبر والطغيان:
المقطع الأوّل: راعى فيه مؤمن آل فرعون الإحتياط، ودعا القوم إلى الحذر من الأضرار المحتملة من جهتين: (قال لهم: لو كان موسى كاذباً فسينال جزاء كذبه، أمّا لو كان صادقاً فيشملنا العذاب، إذاً عليكم أن لا تتركوا العمل بالإحتياط).
المقطع الثّاني: وفيه وجّه مؤمن آل فرعون الدعوة إلى التأمّل بما حلّ بالأقوام السابقة وما نال الأمم الداثرة من المصير والجزاء، كي يأخذوا العبرة من ذلك المصير!
المقطع الثّالث: كأمن في الآيات القرآنية التي بين أيدينا، إذ تذكر هم الآيات - من خلال خطاب مؤمن آل فرعون - بجزء من تأريخهم، هذا التأريخ الذي لا يبعد كثيراً عنهم، ولم تمحى بعد أواصر الإرتباط الذهني والتأريخي فيما بينهم وبينه ; وهذا الجزء يتمثل في نبوة يوسف (ع)، الذي يعتبر أحد أجداد موسى، حيث يبدأ قصة التذكير معهم بقوله تعالى: (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات)(1) وبالدلائل الواضحة لهدايتكم ولكنكم: (فمازلتم في شك ممّا جاءكم به).
وشككم هنا ليس بسبب صعوبة دعوته أو عدم اشتمالها على الأدلة والعلائم الكافية، بل بسبب غروركم حيث أظهرتم الشك والتردد فيها.
ولأجل أن تتنصلوا من المسؤولية، وتعطوا لأنفسكم الذرائع والمبررات، قلتم: (حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا).
بناء على ذلك كلّه لم تشملكم الهداية الإلهية بسبب أعمالكم ومواقفكم: (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب).
لقد سلكتم سبيل الأسراف والتعدي على حدود الله تعالى كما قمتم بالتشكيك في كلّ شيء، حتى غدا ذلك كلّه سبباً لحرمانكم من اللطف الإلهي في الهداية، فسدرتم في وادي الضلال والغي، كي تنتظركم عاقبة هذا الطريق الغاوي.
واليوم - والسياق ما زال يحكي خطاب مؤمن آل فرعون لهم - اتبعتم نفس الأسلوب حيال دعوة موسى(ع)، إذ تركتم البحث في أدلة نبوته وعلائم بعثته ورسالته، فابتعدت عنكم أنوار الهداية، وظلت قلوبكم سوداء محجوبة عن إشعاعاتها الهادية الوضّاءة.
﴿وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ﴾ أي جاء آباؤكم أو على أن فرعون موسى فرعونه أو يوسف بن إفرائيم بن يوسف ﴿مِن قَبْلُ﴾ قبل موسى ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ المعجزات ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ﴾ من الرسالة ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ﴾ مات ﴿قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ فضممتم إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده ﴿كَذَلِكَ﴾ الإضلال ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ﴾ بكفره ﴿مُّرْتَابٌ﴾ شاك فيما صدقته الآيات أي يخذله بسوء اختياره